الْمَوْتِ) أي في سكراته ، وغمراته ، وكرباته ، (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) أي بالضرب ، كقوله (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي) [المائدة : ٢٨] الآية ، وقوله (يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) [الممتحنة : ٢] الآية ، وقال الضحاك وأبو صالح باسطو أيديهم أي بالعذاب ، كقوله (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) [الأنفال : ٥٠] ولهذا قال (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) أي بالضرب لهم ، حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم ، ولهذا يقولون لهم (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) وذلك أن الكافر إذا احتضر ، بشرته الملائكة بالعذاب ، والنكال ، والأغلال ، والسلاسل ، والجحيم ، والحميم ، وغضب الرحمن الرحيم ، فتتفرق روحه في جسده ، وتعصي وتأبى الخروج ، فتضربهم الملائكة ، حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم ، قائلين لهم (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِ) الآية ، أي اليوم تهانون غاية الإهانة ، كما كنتم تكذبون على الله ، وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله.
وقد وردت الأحاديث المتواترة في كيفية احتضار المؤمن والكافر عند الموت وهي مقررة عند قوله تعالى : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) [إبراهيم : ٢٧] وقد ذكر ابن مردويه هاهنا حديثا مطولا جدا من طريق غريبة ، عن الضحاك ، عن ابن عباس مرفوعا ، فالله أعلم.
وقوله (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي يقال لهم يوم معادهم هذا كما قال (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي كما بدأناكم أعدناكم ، وقد كنتم تنكرون ذلك وتستبعدونه ، فهذا يوم البعث.
وقوله (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ) أي من النعم والأموال التي اقتنيتموها ، في الدار الدنيا وراء ظهوركم ، وثبت في الصحيح ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «يقول ابن آدم مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس» (١).
وقال الحسن البصري : يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بذخ ، فيقول الله عزوجل : أين ما جمعت؟ فيقول يا رب جمعته وتركته أوفر ما كان ، فيقول له : يا ابن آدم أين ما قدمت لنفسك؟ فلا يراه قدم شيئا ، وتلا هذه الآية (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ) الآية (٢) ، رواه ابن أبي حاتم.
وقوله (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) تقريع لهم وتوبيخ على
__________________
(١) مسند أحمد ٢ / ٣٦٨ و٤ / ٢٤ ـ ٢٦.
(٢) سنن الترمذي (قيامة باب ٦). والبذج : ولد الضأن. والمقصود بيان ضعفه.