فهذه طرق لهذا الحديث ، ومجموعها يفيد قوته وصحته ، والله أعلم.
قال ابن جرير (١) : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبو نعيم ، عن شريك ، عن سعيد بن مسروق ، عن عكرمة (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) قال : ليس من الإنس شياطين ، ولكن شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس ، وشياطين الإنس يوحون إلى شياطين الجن ، قال : وحدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا إسرائيل ، عن السدي ، عن عكرمة ، في قوله (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) قال : للإنسي شيطان ، وللجني شيطان ، فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن ، فيوحي بعضهم إلى بعض ، زخرف القول غرورا ، وقال أسباط عن السدي عن عكرمة في قوله (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) : أما شياطين الإنس ، فالشياطين التي تضل الإنس ، وشياطين الجن التي تضل الجن ، يلتقيان ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : إني أضللت صاحبي بكذا وكذا ، فأضل أنت صاحبك بكذا وكذا ، فيعلم بعضهم بعضا.
ففهم ابن جرير من هذا ، أن المراد بشياطين الإنس ، عند عكرمة والسدي ، الشياطين من الجن الذين يضلون الناس ، لا أن المراد منه شياطين الإنس منهم ، ولا شك أن هذا ظاهر من كلام عكرمة ، وأما كلام السدي فليس مثله في هذا المعنى ، وهو محتمل ، وقد روى ابن أبي حاتم نحو هذا عن ابن عباس ، من رواية الضحاك عنه ، قال : إن للجن شياطين يضلونهم ، مثل شياطين الإنس يضلونهم ، قال : فيلتقي شياطين الإنس وشياطين الجن ، فيقول هذا لهذا أضلله بكذا ، فهو قوله (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) وعلى كل حال ، فالصحيح ما تقدم من حديث أبي ذر ، إن للإنس شياطين منهم ، وشيطان كل شيء ما رده ، ولهذا جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «الكلب الأسود شيطان» (٢) ومعناه والله أعلم ـ شيطان في الكلاب.
وقال ابن جريج : قال مجاهد : في تفسير هذه الآية ، كفار الجن شياطين ، يوحون إلى شياطين الإنس ، كفار الإنس ، زخرف القول غرورا.
وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : قدمت على المختار فأكرمني وأنزلني ، حتى كاد يتعاهد مبيتي بالليل ، قال : فقال لي : اخرج إلى الناس فحدثهم ، قال : فخرجت ، فجاء رجل فقال : ما تقول في الوحي ، فقلت : الوحي وحيان ، قال الله تعالى : (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) وقال تعالى : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) قال فهمّوا بي أن يأخذوني ، فقلت لهم : ما لكم ذاك ، إني مفتيكم وضيفكم فتركوني وإنما عرض عكرمة بالمختار ، وهو ابن أبي عبيد قبحه الله ، وكان يزعم أنه يأتيه الوحي ،
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٣١٤.
(٢) صحيح مسلم (صلاة حديث ٢٦٥)