بمخالبها كما تكلبه الكلاب ، فلا فرق ، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم واختاره ابن جرير ، واحتج في ذلك بما رواه عن هناد (١) ، حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم ، قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن صيد البازي فقال : «ما أمسك عليك فكل» واستثنى الإمام أحمد صيد الكلب الأسود ، لأنه عنده مما يجب قتله ولا يحل اقتناؤه لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود» فقلت : ما بال الكلب الأسود من الأحمر؟ فقال : «الكلب الأسود شيطان» (٢). وفي الحديث الآخر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر بقتل الكلاب ، ثم قال «ما بالهم وبال الكلاب ، اقتلوا منها كل أسود بهيم» (٣) وسميت هذه الحيوانات التي يصطاد بهن جوارح من الجرح ، وهو الكسب ، كما تقول العرب : فلان جرح أهله خيرا ، أي كسبهم خيرا ، ويقولون : فلان لا جارح له أي لا كاسب له ، وقال الله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) [الأنعام : ٦٠] أي ما كسبتم من خير وشر.
وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية الشريفة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم : حدثنا حجاج بن حمزة ، حدثنا زيد بن حباب ، حدثني يونس بن عبيدة ، حدثني أبان بن صالح عن القعقاع بن حكيم عن سلمى أم رافع ، عن أبي رافع مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر بقتل الكلاب ، فقلت : فجاء الناس فقالوا : يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فسكت ، فأنزل الله (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) الآية ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم إذا أرسل الرجل كلبه وسمى ، فأمسك عليه ، فيأكل ما لم يأكل» وهكذا رواه ابن جرير (٤) عن أبي كريب عن زيد بن الحباب بإسناده عن أبي رافع قال : جاء جبريل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ليستأذن عليه ، فأذن له ، فقال : «قد أذنّا لك يا رسول الله ، قال : أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب» قال أبو رافع : فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها ، فتركته رحمة لها ، ثم جئت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته ، فأمرني فرجعت إلى الكلب فقتلته ، فجاؤوا فقالوا : يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ قال : فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فأنزل الله عزوجل (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ).
ورواه الحاكم في مستدركه من طريق محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح به ، وقال :
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) صحيح مسلم (صلاة حديث ٢٦٥)
(٣) سنن أبي داود (أضاحي باب ٢١) وصحيح مسلم (مساقاة حديث ٤٧) ومسند أحمد ٣ / ٣٣٣ وسنن الترمذي (صيد باب ١٦ و ١٧)
(٤) تفسير الطبري ٤ / ٤٢٨.