الحسن ، سأله رجل : أتيت بطير كرى (١) ، فمنه ما قد ذبح فذكر اسم الله عليه ، ومنه ما نسي أن يذكر اسم الله عليه ، واختلط الطير ، فقال الحسن كله كله ، قال : وسألت محمد بن سيرين فقال : قال الله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ).
واحتج لهذا المذهب بالحديث المروي من طرق عند ابن ماجة عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وأبي ذر ، وعقبة بن عامر ، وعبد الله بن عمرو ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وفيه نظر ، والله أعلم.
وقد روى الحافظ أبو أحمد بن عدي من حديث مروان بن سالم القرقساني ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «اسم الله على كل مسلم».
ولكن هذا إسناده ضعيف ، فإن مروان بن سالم القرقساني أبا عبد الله الشامي ضعيف ، تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، والله أعلم. وقد أفردت هذه المسألة على حدة ، وذكرت مذاهب الأئمة ومأخذهم وأدلتهم ووجه الدلالات والمناقضات والمعارضات ، والله أعلم.
قال ابن جرير (٢) : وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية : هل نسخ من حكمها شيء أم لا؟ فقال بعضهم : لم ينسخ منها شيء ، وهي محكمة فيما عنيت به ، وعلى هذا قول مجاهد وعامة أهل العلم ، وروي عن الحسن البصري وعكرمة ما حدثنا به ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين بن واقد ، عن عكرمة والحسن البصري ، قالا : قال الله (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) وقال (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) فنسخ واستثنى من ذلك ، فقال (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ).
وقال ابن أبي حاتم : قرئ على العباس بن الوليد بن مزيد ، حدثنا محمد بن شعيب ، أخبرني النعمان ، يعني ابن المنذر ، عن مكحول ، قال : أنزل الله في القرآن (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ثم نسخها الرب ورحم المسلمين فقال (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) فنسخها بذلك ، وأحل طعام أهل الكتاب.
ثم قال ابن جرير : والصواب أنه لا تعارض ، بين حل طعام أهل الكتاب ، وبين تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وهذا الذي قاله صحيح ، ومن أطلق من السلف النسخ هاهنا فإنما أراد التخصيص ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقوله تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا
__________________
(١) كرى : جمع كروان ، وهو طائر بين الدجاجة والحمامة حسن الصوت.
(٢) تفسير الطبري ٥ / ٣٣٠ ـ ٣٣١.