وقال العوفي عن ابن عباس (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) وذلك أن الرجل كان إذا زرع ، فكان يوم حصاده لم يخرج مما حصد شيئا فقال الله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) وذلك أن يعلم ما كيله وحقه فيخرج من كل عشرة واحدا ، وما يلقط الناس من سنبله (١).
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود في سننه من حديث محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان ، عن جابر بن عبد الله ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمر من كل جادّ عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين (٢).
وهذا إسناد جيد قوي ، وقال طاوس وأبو الشعثاء وقتادة والحسن والضحاك وابن جريج :
هي الزكاة ، وقال الحسن البصري : هي الصدقة من الحب والثمار ، وكذا قال ابن زيد بن أسلم ، وقال آخرون : وهو حق آخر سوى الزكاة ، وقال أشعث : عن محمد بن سيرين ونافع عن ابن عمر في قوله (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) قال : كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة رواه ابن مردويه وروى عبد الله بن المبارك وغيره عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح في قوله (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) قال : يعطي من حضره يومئذ ما تيسر ، وليس بالزكاة ، وقال مجاهد : إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه ، وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) قال : عند الزرع يعطي القبضة وعند الصرام يعطي القبضة ، ويتركهم فيتبعون آثار الصرام ، وقال الثوري : عن حماد عن إبراهيم النخعي قال : يعطي مثل الضغث ، وقال ابن المبارك عن شريك عن سالم عن سعيد بن جبير (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) قال : كان هذا قبل الزكاة ، للمساكين القبضة والضغث لعلف دابته ، وفي حديث ابن لهيعة : عن دراج عن أبي الهيثم عن سعيد مرفوعا ، (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) قال ما سقط من السنبل رواه ابن مردويه.
وقال آخرون : هذا شيء كان واجبا ثم نسخه الله بالعشر أو نصف العشر ، حكاه ابن جرير عن ابن عباس ومحمد ابن الحنفية وإبراهيم النخعي والحسن والسدي وعطية العوفي وغيرهم ، واختاره ابن جرير (٣) رحمهالله ، قلت : وفي تسمية هذا نسخا نظر ، لأنه قد كان شيئا واجبا في الأصل ثم إنه فصل بيانه وبين مقدار المخرج وكميته ، قالوا : وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة ، فالله أعلم.
وقد ذم الله سبحانه الذين يصرمون ولا يتصدقون كما ذكر عن أصحاب الجنة في سورة «ن» (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) مسند أحمد ٣ / ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، وسنن أبي داود (زكاة باب ٣٢)
(٣) تفسير الطبري ٥ / ٣٦٨. وقد بسط ابن جرير رأيه في أسباب هذا الاختيار ، فلينظر.