عليك» فقال : ذكيا وغير ذكي ، وإن أكل منه؟ قال «نعم وإن أكل منه» فقال : يا رسول الله أفتني في قوسي ، قال «كل ما ردت عليك قوسك» قال : ذكيا وغير ذكي؟ «وإن تغيب عنك ما لم يضلّ أو تجد فيه أثر غير سهمك» قال : أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها ، قال «اغسلها وكل فيها» هكذا رواه أبو داود (١) ، وقد أخرجه النسائي ، وكذا رواه أبو داود من طريق يونس (٢) بن سيف ، عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة ، قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه ، وكل ما ردت عليك يدك» وهذان إسنادان جيدان.
وقد روى الثوري عن سماك بن حرب ، عن عدي قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم «ما كان من كلب ضار أمسك عليك فكل» قلت : وإن أكل؟ قال «نعم». وروى عبد الملك بن حبيب: حدثنا أسد بن موسى عن ابن أبي زائدة ، عن الشعبي ، عن عدي بمثله ، فهذه آثار دالة على أنه يغتفر ، وإن أكل منه الكلب ، وقد احتج بها من لم يحرم الصيد بأكل الكلب وما أشبهه ، كما تقدم عمن حكيناه عنهم ، وقد توسط آخرون فقالوا : إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم ، وللعلة التي أشار إليها النبي صلىاللهعليهوسلم «فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه» وأما إن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه وجاع فأكل منه لجوعه ، فإنه لا يؤثر في التحريم وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني. وهذا تفريق حسن ، وجمع بين الحديثين صحيح.
وقد تمنى الأستاذ أبو المعالي الجويني في كتابه «النهاية» أن لو فصل مفصل هذا التفصيل وقد حقق الله أمنيته ، وقال بهذا القول والتفريق طائفة من الأصحاب منهم. وقال آخرون قولا رابعا في المسألة وهو التفرقة بين أكل الكلب فيحرم لحديث عدي ، وبين أكل الصقور ونحوها فلا يحرم لأنه لا يقبل التعليم إلا بالأكل ، وقال ابن جرير (٣) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن حماد ، عن إبراهيم ، عن ابن عباس أنه قال في الطير : إذا أرسلته فقتل فكل ، فإن الكلب إذا ضربته لم يعد وإن تعلم الطير أن يرجع إلى صاحبه وليس يضرب ، فإذا أكل من الصيد ونتف الريش فكل ، وكذا قال إبراهيم النخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان.
وقد يحتج لهؤلاء بما رواه ابن أبي حاتم ، حدثنا أبو سعيد ، حدثنا المحاربي ، حدثنا مجالد عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة ، فما
__________________
(١) سنن أبي داود (صيد باب ٢٢)
(٢) ما يأتي رواه أبو داود من طريق بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني. وفي نفس الباب رواية من طريق يونس بن سيف.
(٣) تفسير الطبري ٤ / ٤٣٣.