وقال ابن جرير (١) : حدثنا يونس أخبرنا أشهب بن عبد العزيز عن مالك قال : زعم ابن رومان أن قوله تعالى : (تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) [الأعراف : ١٦٣] قال : كانت تأتيهم يوم السبت فإذا كان المساء ذهبت فلا يرى منها شيء إلى يوم السبت الآخر ، فاتخذ لذلك رجل خيطا ووتدا فربط حوتا منها في الماء يوم السبت حتى إذا أمسوا ليلة الأحد أخذه فاشتواه ، فوجد الناس ريحه ، فأتوه فسألوه عن ذلك فجحدهم ، فلم يزالوا به حتى قال لهم فإنه جلد حوت وجدناه فلما كان السبت الآخر فعل مثل ذلك ، ولا أدري لعله قال ربط حوتين فلما أمسى من ليلة الأحد أخذه فاشتواه فوجدوا رائحة فجاؤوا فسألوه فقال لهم : لو شئتم صنعتم كما أصنع.
فقالوا له : وما صنعت؟ فأخبرهم ففعلوا مثل ما فعل حتى كثر ذلك وكانت لهم مدينة لها ربض يغلقونها عليهم فأصابهم من المسخ ما أصابهم فغدا عليهم جيرانهم ممن كانوا حولهم يطلبون منهم ما يطلب الناس فوجدوا المدينة مغلقة عليهم فنادوا فلم يجيبوهم فتسوروا عليهم فإذا هم قردة فجعل القرد يدنو يتمسح بمن كان يعرف قبل ذلك ويدنو منه ويتمسح به.
وقد قدمنا في سورة البقرة من الآثار في خبر هذه القرية ما فيه مقنع وكفاية ولله الحمد والمنة.
[القول الثاني] أن الساكتين كانوا من الهالكين قال محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : ابتدعوا السبت فابتلوا فيه فحرمت عليهم فيه الحيتان فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى السبت المقبل فإذا جاء السبت جاءت شرعا فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا كذلك ثم إن رجلا منهم أخذ حوتا فخزم أنفه ثم ضرب له وتدا في الساحل وربطه وتركه في الماء فلما كان الغد أخذه فشواه فأكله ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون ولا ينهاه منهم أحد إلا عصبة منهم نهوه حتى ظهر ذلك في الأسواق ففعل علانية قال : فقالت : طائفة للذين ينهونهم (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) فقالوا : نسخط أعمالهم (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ ـ إلى قوله ـ قِرَدَةً خاسِئِينَ) قال ابن عباس كانوا ثلاثا ثلث نهوا وثلث قالوا (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) وثلث أصحاب الخطيئة فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم (٢).
وهذا إسناد جيد عن ابن عباس ولكن رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة الساكتين أولى من القول بهذا لأنه تبين حالهم بعد ذلك والله أعلم. وقوله تعالى : (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ
__________________
(١) تفسير الطبري ٦ / ٩٧.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦ / ٩٧ ، ٩٨.