من الرسل ، وطموس من السبل ، وتغير الأديان ، وكثرة عبادة الأوثان والنيران والصلبان ، فكانت النعمة به أتم النعم ، والحاجة إليه أمر عمم ، فإن الفساد كان قد عم جميع البلاد ، والطغيان والجهل قد ظهر في سائر العباد إلا قليلا من المتمسكين ببقايا من دين الأنبياء الأقدمين ، من بعض أحبار اليهود وعباد النصارى والصابئين. كما قال الإمام أحمد (١) :
حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا هشام ، حدثنا قتادة عن مطرف ، عن عياض بن حماد المجاشعي رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم خطب ذات يوم ، فقال في خطبته «وإن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا ، كل مال نحلته عبادي حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإن الشياطين أتتهم فأضلتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ، ثم إن الله عزوجل نظر إلى أهل الأرض فمقتهم : عربهم وعجمهم ، إلا بقايا من بني إسرائيل ، وقال : إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء ، تقرأه نائما ويقظان ، ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت : يا رب إذن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة (٢) ، فقال : استخرجهم كما استخرجوك ، واغزهم نغزك ، وأنفق عليهم فسننفق عليك ، وابعث جيشا نبعث خمسا أمثاله ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ، وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط موفق متصدق ، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ، ورجل عفيف فقير ذو عيال متصدق ، وأهل النار خمسة : الضعيف الذي لا دين له ، والذين هم فيكم تبع أو تبعا ـ شك يحيى ـ لا يبتغون أهلا ولا مالا ، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك ، وذكر البخيل أو الكذاب ، والشنظير الفاحش.
ثم رواه الإمام أحمد ومسلم والنسائي من غير وجه عن قتادة ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وفي رواية شعبة عن قتادة التصريح بسماع قتادة هذا الحديث من مطرف ، وقد ذكر الإمام أحمد (٣) في مسنده أن قتادة لم يسمعه من مطرف وإنما سمعه من أربعة عنه ، ثم رواه هو عن روح ، عن عوف ، عن حكيم الأثرم ، عن الحسن قال : حدثني مطرف عن عياض بن حماد فذكره. ورواه النسائي من حديث غندر عن عوف الأعرابي به. والمقصود من إيراد هذا الحديث قوله «وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عجمهم وعربهم إلا بقايا من بني إسرائيل» وفي لفظ مسلم : من أهل الكتاب فكان الدين قد التبس على أهل الأرض كلهم حتى بعث الله
__________________
ـ وطفئت وهو في وسطها. قال الزركلي : هي النفط لا ريب. وهناك روايات بأن النار كانت تخرج من بئر. فتأمّل. (الأعلام ٢ / ٢٩٦)
(١) مسند أحمد ٤ / ١٦٢.
(٢) أي يشدخوا رأسي فيجعلوه مكسورا كالخبزة.
(٣) مسند أحمد ٤ / ٢٦٦.