وإذا كان ابن نوح الكافر ، غرق فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر وولد زنية؟ هذا لا يسوغ في عقل ولا شرع. ثم في وجود رجل يقال له عوج بن عنق نظر ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) أي فلما نكل بنو إسرائيل عن طاعة الله ومتابعة رسول الله موسى صلىاللهعليهوسلم ، حرضهم رجلان لله عليهما نعمة عظيمة ، وهما ممن يخاف أمر الله ويخشى عقابه ، وقرأ بعضهم (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) (١) أي ممن لهم مهابة وموضع من الناس ، ويقال إنهما يوشع بن نون ، وكالب بن يوقنا. قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة ، وعطية والسدي ، والربيع بن أنس ، وغير واحد من السلف والخلف رحمهمالله فقالا (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن توكلتم على الله واتبعتم أمره ، ووافقتم رسوله ، نصركم الله على أعدائكم وأيدكم وظفركم بهم ، ودخلتم البلد التي كتبها الله لكم ، فلم ينفع ذاك فيهم شيئا (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) وهذا نكول منهم عن الجهاد ، ومخالفة لرسولهم ، وتخلف عن مقاتلة الأعداء ، ويقال : إنهم لما نكلوا عن الجهاد ، وعزموا على الانصراف والرجوع إلى مصر ، سجد موسى وهارون عليهماالسلام ، قدام ملأ من بني إسرائيل ، إعظاما لما هموا به ، وشق يوشع بن نون وكالب بن يوقنا ثيابهما ، ولا ما قومهما على ذلك ، فيقال إنهم رجموهما ، وجرى أمر عظيم ، وخطر جليل ، وما أحسن ما أجاب به الصحابة رضي الله عنهم يوم بدر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين استشارهم في قتال النفير ، الذين جاءوا لمنع العير ، الذي كان مع أبي سفيان ، فلما فات اقتناص العير ، واقترب منهم النفير ، وهم في جمع ما بين التسعمائة إلى الألف في العدة ، والبيض واليلب (٢) ، فتكلم أبو بكر رضي الله عنه فأحسن ، ثم تكلم من تكلم من الصحابة من المهاجرين ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «أشيروا علي أيها المسلمون» وما يقول ذلك ، إلا ليستعلم ما عند الأنصار ، لأنهم كانوا جمهور الناس يومئذ ، فقال سعد بن معاذ : كأنك تعرض بنا يا رسول الله ، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر ، فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله ، فسّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقول سعد ونشطه ذلك.
وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أبو حاتم الرازي ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا حميد عن أنس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما سار إلى بدر استشار المسلمين ، فأشار عليه عمر ، ثم استشارهم فقالت الأنصار : يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالوا : إذا لا نقول له كما قالت بنو إسرائيل لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا
__________________
(١) أي بضم أوله.
(٢) البيض : الخوذ. واليلب : الدروع.