بعد العصر ، فلما تضيفت (١) الشمس للغروب وخشي دخول السبت عليهم ، قال : إنك مأمورة ، وأنا مأمور ، اللهم احبسها علي. فحبسها الله تعالى حتى فتحها ، وأمر الله يوشع بن نون ، أن يأمر بني إسرائيل حين يدخلون بيت المقدس ، أن يدخلوا بابها سجدا ، وهم يقولون : حطة أي حط عنا ذنوبنا ، فبدلوا ما أمروا به ، ودخلوا يزحفون على أستاههم وهو يقولون : حبة في شعرة ، وقد تقدم هذا كله في سورة البقرة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن أبي عمر العبدي ، حدثنا سفيان عن أبي سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، قوله (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) قال : فتاهوا أربعين سنة ، قال : فهلك موسى وهارون في التيه ، وكل من جاوز الأربعين سنة ، فلما مضت الأربعون سنة ، ناهضهم يوشع بن نون ، وهو الذي قام بالأمر بعد موسى ، وهو الذي افتتحها ، وهو الذي قيل له : اليوم يوم الجمعة ، فهموا بافتتاحها ودنت الشمس للغروب ، فخشي إن دخلت ليلة السبت أن يسبتوا ، فنادى الشمس : إني مأمور ، وإنك مأمورة ، فوقفت حتى افتتحها ، فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط ، فقربوه إلى النار فلم تأته ، فقال : فيكم الغلول ، فدعا رؤوس الأسباط وهم اثنا عشر رجلا فبايعهم والتصقت يد رجل منهم بيده فقال : الغلول عندك فأخرجه ، فأخرج رأس بقرة من ذهب لها عينان من ياقوت وأسنان من لؤلؤ فوضعه مع القربان ، فأتت النار فأكلته (٢) ، وهذا السياق له شاهد في الصحيح.
وقد اختار ابن جرير (٣) أن قوله : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) هو العامل في أربعين سنة وأنهم مكثوا لا يدخلونها أربعين سنة ، وهم تائهون في البرية لا يهتدون لمقصد ، قال : ثم خرجوا مع موسى عليهالسلام ، ففتح بهم بيت المقدس ، ثم احتج على ذلك من قال بإجماع علماء أخبار الأولين ، أن عوج بن عنق قتله موسى عليهالسلام ، قال : فلو كان قتله إياه قبل التيه ، لما رهبت بنو إسرائيل من العماليق فدل على أنه كان بعد التيه ، قال : وأجمعوا على أن بلعام بن باعورا أعان الجبارين بالدعاء على موسى ، قال : وما ذاك إلا بعد التيه ، لأنهم كانوا قبل التيه لا يخافون من موسى وقومه ، هذا استدلاله ، ثم قال : حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن عطية ، حدثنا قيس عن ابن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كانت عصا موسى عشرة أذرع ، ووثبته عشرة أذرع ، وطوله عشرة أذرع ، فوثب فأصاب كعب عوج فقتله ، فكان جسرا لأهل النيل سنة (٤) ، وروي أيضا عن محمد بن بشار : حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان عن أبي إسحاق ، عن نوف هو البكالي قال : كان سرير عوج ثمانمائة ذراع ، وكان طول موسى عشرة
__________________
(١) تضيّفت للغروب : مالت إليه ودنت منه.
(٢) رواه السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٤٨١.
(٣) تفسير الطبري ٤ / ٥٢٥.
(٤) تفسير الطبري ٤ / ٥٢٦.