من الخوف ما لم يدخل غيرهم ، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة ، فقالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، أما والله ما أحزنهم ما أحزن الناس ، ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجنة ، ولكن أبكاهم الخوف من النار ، إنه من لم يتعز بعزاء الله ، تقطع نفسه على الدنيا حسرات ، ومن لم ير لله نعمة إلا في مطعم أو مشرب ، فقد قل علمه وحضر عذابه (١).
وقوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) أي إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يقابلوهم عليه بمثله ، بل يعفون ويصفحون ولا يقولون إلا خيرا ، كما كان رسول اللهصلىاللهعليهوسلم لا تزيده شدة الجاهل عليه إلا حلما ، وكما قال تعالى : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) [القصص : ٥٥] الآية.
وروى الإمام أحمد (٢) : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا أبو بكر عن الأعمش عن أبي خالد الوالبي ، عن النعمان بن مقرن المزني قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وسب رجل رجلا عنده ، فجعل قال : المسبوب يقول : عليك السلام ، الرجل فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أما إن ملكا بينكما يذب عنك ، كلما شتمك هذا قال له : بل أنت وأنت أحق به ، وإذا قلت له وعليك السلام ، قال : لا بل عليك وأنت أحق به». إسناده حسن ، ولم يخرجوه.
وقال مجاهد (قالُوا سَلاماً) يعني قالوا سدادا. وقال سعيد بن جبير : ردوا معروفا من القول. وقال الحسن البصري : (قالُوا سَلاماً) حلماء لا يجهلون إن جهل عليهم حلموا ، يصاحبون عباد الله نهارهم بما يسمعون ، ثم ذكر أن ليلهم خير ليل (٣).
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) أي في طاعته وعبادته ، كما قال تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات : ١٧ ـ ١٨] وقوله (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) [السجدة : ١٦] الآية ، وقال تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر : ٩] الآية ، ولهذا قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) أي ملازما دائما ، كما قال الشاعر [الخفيف] :
إن يعذب يكن غراما ، وإن يعط |
|
جزيلا ، فإنه لا يبالي (٤) |
ولهذا قال الحسن في قوله (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) كل شيء يصيب ابن آدم ويزول عنه،
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٩ / ٤٠٩.
(٢) المسند ٥ / ٤٤٥.
(٣) انظر الدر المنثور ٥ / ١٤١.
(٤) البيت للأعشى في ديوانه ص ٥٩ ، ولسان العرب (عزم) ، ومقاييس اللغة ٤ / ٤١٩ ، وتاج العروس (غرم) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ٨ / ١٣١ ، والمخصص ٤ / ٦٢ ، ١٢ / ٩٨ ، ويروى «إن يعاقب» بدل «إن يعذب».