فليس بغرام ، وإنما الغرام الملازم ما دامت السموات والأرض ، وكذا قال سليمان التيمي. وقال محمد بن كعب (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) يعني ما نعموا في الدنيا ، إن الله تعالى سأل الكفار عن النعمة فلم يردوها إليه ، فأغرمهم فأدخلهم النار (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) أي بئس المنزل منظرا ، وبئس المقيل مقاما.
وقال ابن أبي حاتم عند قوله (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن مالك بن الحارث قال : إذا طرح الرجل في النار هوى فيها ، فإذا انتهى إلى بعض أبوابها قيل له : مكانك حتى تتحف ، قال : فيسقى كأسا من سم الأساود والعقارب ، قال : فيميز الجلد على حدة ، والشعر على حدة ، والعصب على حدة ، والعروق على حدة. وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير قال : إن في النار لجبابا فيها حيات أمثال البخت ، وعقارب أمثال البغال الدلم ، فإذا قذف بهم في النار خرجت إليهم من أوطانها ، فأخذت بشفاههم وأبشارهم وأشعارهم ، فكشطت لحومهم إلى أقدامهم ، فإذا وجدت حر النار رجعت.
وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا سلام يعني ابن مسكين ، عن أبي ظلال عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «إن عبدا في جهنم لينادي ألف سنة : يا حنان يا منان ، فيقول الله عزوجل لجبريل : اذهب فأتني بعبدي هذا ، فينطلق جبريل فيجد أهل النار مكبين يبكون ، فيرجع إلى ربه عزوجل فيخبره ، فيقول الله عزوجل ، ائتني به ، فإنه في مكان كذا وكذا ، فيجيء به فيوقفه على ربه عزوجل ، فيقول له : يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك؟ فيقول : يا رب شر مكان وشر مقيل ، فيقول الله عزوجل ، ردوا عبدي ، فيقول : يا رب ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردني فيها ، فيقول الله عزوجل ، دعوا عبدي».
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) الآية ، أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم ، فيصرفون فوق الحاجة ، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم ، بل عدلا خيارا ، وخير الأمور أوسطها ، لا هذا ولا هذا ، (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) كما قال تعالى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [الإسراء : ٢٩] الآية.
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا عصام بن خالد ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني ، عن ضمرة عن أبي الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «من فقه الرجل رفقه في معيشته». ولم
__________________
(١) المسند ٣ / ٢٣٠.
(٢) المسند ٥ / ١٩٤.