قالت : فبقرت لي الحديث (١) ، فقلت : وقد كان هذا؟ قالت : نعم والله ، فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلا ولا كثيرا ، ووعكت وقلت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أرسلني إلى بيت أبي ، فأرسل معي الغلام ، فدخلت الدار فوجدت أم رومان في السفل ، وأبا بكر فوق البيت يقرأ ، فقالت أم رومان : ما جاء بك بنية ، فأخبرتها وذكرت لها الحديث ، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني ، فقالت : يا بنية خففي عليك الشأن فإنه والله لقل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حسدنها ، وقيل فيها ، فقلت : وقد علم به أبي؟ قالت : نعم. قلت : ورسول الله صلىاللهعليهوسلم؟. قالت : نعم ورسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فاستعبرت وبكيت ، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ ، فنزل فقال لأمي : ما شأنها؟ قالت : بلغها الذي ذكر من شأنها ، ففاضت عيناه رضي الله عنه وقال : أقسمت عليك ـ أي بنية ـ إلا رجعت إلى بيتك ، فرجعت ، ولقد جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيتي فسأل عني خادمتي فقالت : لا والله ما علمت عليها عيبا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها ، وانتهرها بعض أصحابه فقال : اصدقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أسقطوا لها به. فقالت : سبحان الله ، والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ عن تبر الذهب الأحمر ، وبلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له ، فقال : سبحان الله ، والله ما كشفت كنف أنثى قط.
قالت عائشة رضي الله عنها : فقتل شهيدا في سبيل الله وقالت : وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد صلى العصر ، ثم دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : «أما بعد يا عائشة إن كنت قارفت سوءا أو ظلمت فتوبي إلى الله ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده» قالت : وقد جاءت امرأة من الأنصار فهي جالسة بالباب فقلت : ألا تستحيي من هذه المرأة أن تذكر شيئا؟ فوعظ رسول الله صلىاللهعليهوسلم فالتفت إلى أبي فقلت له : أجبه قال : فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت : أجيبيه قالت : ماذا أقول؟ فلما لم يجيباه تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ، ثم قلت : أما بعد فو الله إن لئن قلت لكم إني لم أفعل والله عزوجل يشهد أني لصادقة ما ذاك بنافعي عندكم ، لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم ، وإن قلت لكم إني قد فعلت ، والله يعلم أني لم أفعل ، لتقولن قد باءت به على نفسها ، وإنني والله ما أجد لي ولكم مثلا ، والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إلا أبا يوسف حين قال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) وأنزل الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم من ساعته ، فسكتنا فرفع عنه وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه ويقول «أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك» قالت : وكنت أشد ما كنت غضبا فقال لي أبواي : قومي إليه ، فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما ، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي لقد سمعتموه فما
__________________
(١) بقرت لي الحديث : أي فتحته وكشفته.