وأشرف خلق الله على الإطلاق.
وقوله تعالى : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي قل لمن خالفك وكذبك يا محمد من قومك من المشركين ومن تبعهم على كفرهم قل : ربي أعلم بالمهتدي منكم ومني ، وستعلمون لمن تكون له عاقبة الدار ، ولمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة. ثم قال تعالى مذكرا لنبيه نعمته العظيمة عليه وعلى العباد إذ أرسله إليهم (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) أي ما كنت تظن قبل إنزال الوحي إليك أن الوحي ينزل عليك (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي إنما أنزل الوحي عليك من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك ، فإذا منحك بهذه النعمة العظيمة (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً) أي معينا (لِلْكافِرِينَ) ولكن فارقهم ونابذهم وخالفهم (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) أي لا تتأثر لمخالفتهم لك وصدهم الناس عن طريقك لا تلوي على ذلك ولا تباله ، فإن الله معل كلمتك ومؤيد دينك ومظهر ما أرسلك به على سائر الأديان ، ولهذا قال : (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي إلى عبادة ربك وحده لا شريك له (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
وقوله : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا تليق العبادة إلا له ، ولا تنبغي الإلهية إلا لعظمته ، وقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم ، الذي تموت الخلائق ولا يموت ، كما قال تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٦ ـ ٢٧] فعبر بالوجه عن الذات ، وهكذا قوله هاهنا : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) أي إلا إياه. وقد ثبت في الصحيح من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد [الطويل] :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل» (١)
وقال مجاهد والثوري في قوله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) أي إلا ما أريد به وجهه ، وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له ، قال ابن جرير : ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر [البسيط] :
أستغفر الله ذنبا لست محصيه |
|
رب العباد إليه الوجه والعمل (٢) |
__________________
(١) عجزه :
وكل نعيم لا محالة زائل
والبيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٥٦ ، والحديث أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب ٢٦ ، ومسلم في البر حديث ٢ ـ ٦ ، والترمذي في الأدب باب ٧٠ ، وابن ماجة في الأدب باب ٤١ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٤٨ ، ٣٩١ ، ٣٩٣ ، ٤٤٤ ، ٤٥٨ ، ٤٧٠ ، ٤٨١.
(٢) البيت بلا نسبة في أدب الكاتب ص ٥٢٤ ، والأشباه والنظائر ٤ / ١٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٢٠ ، ـ