يقول تعالى : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي قد بينا لهم الحق ، ووضحناه لهم ، وضربنا لهم فيه الأمثال ليستبينوا الحق ويتبعوه (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) أي لو رأوا أي آية كانت ، سواء كانت باقتراحهم أو غيره ، لا يؤمنون بها ويعتقدون أنها سحر وباطل ، كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس : ٩٦ ـ ٩٧] ولهذا قال هاهنا (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي اصبر على مخالفتهم وعنادهم ، فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصره إياك عليهم وجعله العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) أي بل اثبت على ما بعثك الله به ، فإنه الحق الذي لا مرية فيه ، ولا تعدل عنه وليس فيما سواه هدى يتبع ، بل الحق كله منحصر فيه. قال سعيد عن قتادة : نادى رجل من الخوارج عليا رضي الله عنه وهو في صلاة الغداة ، فقال : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [الزمر : ٦٥] فأنصت له علي حتى فهم ما قال ، فأجابه وهو في الصلاة (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقد رواه ابن جرير (١) من وجه آخر فقال : حدثنا وكيع ، حدثنا يحيى بن آدم عن شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن علي بن ربيعة قال : نادى رجل من الخوارج عليا رضي الله عنه وهو في صلاة الفجر ، فقال (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) فأجابه علي رضي الله عنه وهو في الصلاة (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ).
[طريق أخرى] قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا شريك عن عمران بن ظبيان عن أبي يحيى قال : صلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلاة الفجر ، فناداه رجل من الخوارج (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) فأجابه علي رضي الله عنه وهو في الصلاة (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ).
(ما روي في فضل هذه السورة الشريفة واستحباب قراءتها في الفجر)
قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد الملك بن عمير ، سمعت شبيب أبا روح يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، صلى بهم الصبح فقرأ فيها الروم فأوهم ، فقال «إنه يلبس علينا القرآن ، فإن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون
__________________
(١) تفسير الطبري ١٠ / ٢٠٠.
(٢) المسند ٣ / ٤٧١ ، ٥ / ٣٦٨.