تفسير الأهل المذكورين في الحديث الذي رواه ، إنما المراد بهم آله الذين حرموا الصدقة ، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط ، بل هم مع آله ، وهذا الاحتمال أرجح جمعا بينهما وبين الرواية التي قبلها ، وجمعا أيضا بين القرآن والأحاديث المتقدمة إن صحت ، فإن في بعض أسانيدها نظرا ، والله أعلم ، ثم الذي لا شك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلىاللهعليهوسلم داخلات في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فإن سياق الكلام معهن ، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) أي واعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلىاللهعليهوسلم في بيوتكن من الكتاب والسنة ، قاله قتادة وغير واحد.
واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس ، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس ، وعائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما أولاهن بهذه النعمة ، وأحظاهن بهذه الغنيمة ، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة ، فإنه لم ينزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم الوحي في فراش امرأة سواها ، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه. قال بعض العلماء رحمهالله : لأنه لم يتزوج بكرا سواها ، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه صلىاللهعليهوسلم ورضي الله عنها ، فناسب أن تخصص بهذه المزية ، وأن تفرد بهذه المرتبة العليا ، ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته ، فقرابته أحق بهذه التسمية ، كما تقدم في الحديث «وأهل بيتي أحق». وهذا ما يشبه ما ثبت في صحيح مسلم أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، فقال : «هو مسجدي هذا» (١) فهذا من هذا القبيل ، فإن الآية إنما نزلت في مسجد قباء كما ورد في الأحاديث الأخر ، ولكن إذا كان ذاك أسس على التقوى من أول يوم ، فمسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أولى بتسميته بذلك ، والله أعلم.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي جميلة قال : إن الحسن بن علي رضي الله عنهما استخلف حين قتل علي رضي الله عنهما ، قال : فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجره ، وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد ، وحسن رضي الله عنه ساجد. قال : فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه ، فمرض منها أشهرا ثم برأ ، فقعد على المنبر فقال : يا أهل العراق اتقوا الله فينا ، فإنا أمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل البيت الذي قال الله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال فما زال يقولها حتى ما بقي أحد في المسجد إلا وهو يحن بكاء.
وقال السدي عن أبي الديلم قال : قال علي بن الحسين رضي الله عنهما لرجل من الشام :
__________________
(١) أخرجه مسلم في الحج حديث ٥١٤.