من جنس ما ألفت طباعهم من ال |
|
محسوس في ذا العالم الجثمان |
فأتوا بتشبيه وتمثيل وتج |
|
سيم وتخييل إلى الأذهان |
ولذاك يحرم عندهم تأويله |
|
لكنه حل لذي العرقان |
فإذا تأولناه كان جناية |
|
منا وخرق سياج ذا البستان |
الشرح : هذا استطراد من المؤلف في ذكر بعض من مفتريات هؤلاء المتفلسفة بعد بيان مذهبهم الباطل في كلام الله عزوجل فهم يزعمون أن الرسل صلوات الله عليهم وسلامه لم يخاطبوا الجمهور بالحق الواضح الصريح فإن خطابهم بذلك غير ممكن اذ أن مداركهم قاصرة عن فهم الحقائق العقلية المجردة ، فلا بد من سوقها إليهم في مثل مشاهدة وصور عينية محسوسة حتى يطيقوا فهمها وهم بمعزل عن أن يردوا منابع الحكمة الصافية التي هي موارد العقلاء الا إذا وضعت لهم في أوان (جمع اناء) يكون من جنس ما اعتادوه وألفته طباعهم في عالم المحسوسات ولذلك أتاهم الرسل بما يلائم طباعهم ومداركهم ، من كلام كله تشبيه وتمثيل ، وتجسيم وتخييل ، فصوروا لهم الحق تبارك وتعالى بصورة من يقدر ويريد ويقول ويتكلم ، ويسمع ويبصر ، ويجيء وينزل ، ويضحك ويعجب ، وجعلوا له يدا وقدما ووجها وجبينا.
وكذلك صوروا نعيم الآخرة وعذابها بصورة محسوسة مألوفة للجمهور ، فجعلوا في الجنة حورا وولدانا ، وفاكهة ونخلا ورمانا ، وفي النار سعيرا ولهبا ، وعناء ونصبا ، وحيات وعقارب الخ ، ومن أجل أن الجمهور لا يستطيع فهم هذه الحقائق والمعاني المجردة الا بواسطة هذه الأشياء المحسوسة المتخيلة يحرم تأويله لهم ، لأنهم لا يطيقون فهم هذه التأويلات فيقعون في الضلال ، ويبادرون الى الانكار ، وأما الخاصة من أهل الفلسفة والحكمة ، فان تأويله لهم بما يبعد عنه هذه التشبيهات والتمثيلات ، والصور المادية المحسوسة حلال ، بل واجب لأنهم يستطيعون ادراك المعاني المجردة المقصودة من وراء هذه الألفاظ ، وأما إذا تأولناه للعامة فقد جنينا عليهم وعلى الدين جناية كبرى ، وخرقنا سياج بستان الحقائق الذي يجب أن يظل وقفا على الخاصة وحدهم ، ويمنع العامة من ولوجه.