أبطل الباطل ويلزمكم فيه محذوران : الأول نفي اللفظ المشتق عمن قام به معناه ووجد فيه ، والثاني اثباته للمسلوب عنه ذلك المعنى ، وهذا من قلب الحقائق ، وهو أقبح أنواع الكذب ، ونظير هذا اذا كان هناك أخوان ، أحدهما مبصر والآخر أعمى فاقد لحاسة البصر ، فسمى الأعمى بصيرا لأن أخاه كذلك ، مع أنه فاقد للمعنى الذي أخذ منه المشتق وهو بصير فيكون قد أطلق المشتق على فاقد لمعناه ومثله يقال في عكس ذلك وهو تسمية الأخ المبصر أعمى لأن أخاه كذلك والحاصل أنه لا يعقل من قولنا متكلم الا من قام به الكلام لا من أوجد في غيره الكلام فإذا أطلق متكلم على من أوجد الكلام في غيره كان في ذلك إطلاق للمشتق على من لم يقم به معناه ولم يوجد فيه : وكان في ذلك نفي المشتق عمن ثبت له معناه ووجد فيه ، وهذا تخليط وهذيان لا يليق بانسان.
* * *
فلئن زعمتم أن ذلك ثابت |
|
في فعله كالخلق للأكوان |
والفعل ليس بقائم بالهنا |
|
اذ لا يكون محل ذي حدثان |
ويصح أن يشتق منه خالق |
|
فكذلك المتكلم الوحداني |
هو فاعل لكلامه وكتابه |
|
ليس الكلام له بوصف معان |
ومخالف المعقول والمنقول وال |
|
فطرات والمسموع للانسان |
من قال أن كلامه سبحانه |
|
وصف قديم أحرف ومعان |
والسين عند الباء ليست بعدها |
|
لكن هما حرفان مقترنان |
الشرح : لما أنكر المؤلف على الجهمية والمعتزلة ما زعموه من أنه تعالى متكلم بكلام قائم بغيره ، وبين أن ذلك مخالف للعقل والنقل ولما هو معروف في سائر اللغات من أن الوصف بالمشتق يقتضي قيام معناه بالموصوف به لا بغيره أورد على ذلك معارضة من جانب هؤلاء الخصوم بأن ذلك الذي قلناه في معنى متكلم هو ثابت في صفات الافعال مثل خالق ورازق ، فان وصف الله عزوجل بهما لم يقتض قيام معناهما من الخلق والرزق به لان كلا منهما فعل حادث ، والله ليس