فلما رأى المعطلة ما قال الفلاسفة فرحوا به فرحا شديدا ، وظنوا أنهم وقعوا على كنز ثمين ، وأنهم عثروا على مفتاح السر الذي يتيح لهم حل الألغاز والمعميات فقالوا وما لنا لا نثبت هذا النوع من الوجود وان كنا لا نحسه ولا نراه ، وليس عندنا عنه أثر ولا خبر.
الم يثبته قبلنا أرسطو وأفلاطون ، وهما بلا شك أصح منا عقولا وأجود أذهانا ، ولكنا لا نجعل هذا الوجود الكامل إلا لله وحده ولا نصف به شيئا من هذه الموجودات الممكنة.
هذا هو أصل تلك الأكذوبة التي راجت وانتشرت حتى عمت الأرجاء والأقطار ، وأفسدت بسمها المهلك كثيرا من العقائد والأفكار ، وانخدع بها كثير من أهل الفضل والصلاح ممن لهم في علوم الحديث والآثار قدم راسخة ، ولكن لا نقول الا كما قال موسىعليهالسلام : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) [الأعراف : ١٥٥].
أننا يا قوم معكم في أن الله ليس جسما بالمعنى الذي اصطلح عليه أهل الكلام والفلسفة ، فهو ليس مركبا من تلك الجواهر المفردة التي يزعمها المتكلمون ، ولا من الهيولى والصورة التي يهرف بها الفلاسفة ، ولكنا مع ذلك لا نعقل موجودا ليس في مكان ولا حيز له ولا جهة ولا يشار إليه ، ولا يوصف بقرب ولا بعد ولا اتصال ولا انفصال ، الخ ما ذكرتموه من نعوت هذا الوجود الذي تسمونه مجردا ، وهل من الضروري أن يكون وجود الرب على هذا النحو الذي يقتضي نفي كل صفة محضة ، والا لكان جسما ، أو ليس أحسن من ذلك وأقوم أن نثبت له سبحانه وجودا خاصا به هو أكمل من هذه الموجودات الممكنة ، ويكون هذا الوجود قابلا للاتصاف بكل هذي الصفات على وجه لا يكون مماثلا لاتصاف المخلوق بها ، بل لا يكون هناك تشابه ولا اشتراك الا في مسمى الاسم الكلي المتناول لافراد تلك الصفة المتباينة في وجودها العيني.