ولنرجع بعد هذه المقدمة الى شرح كلام المؤلف ، فهو يقول لهؤلاء النافين لاستوائه تعالى على العرش : أنتم توافقوننا على أن الله كان ولم يكن معه شيء ، ثم خلق هذه الموجودات الحادثة ، فأين خلقها؟ هل خلقها خارج ذاته ، فهي مباينة له منفصلة عنه أم خلقها داخل ذاته ، بحيث تكون حالته فيه ، لا بد لكم من القول بأحد هذين القولين ما دمتم تعتقدون أن هذه الموجودات هي غيره ، فان كان موجودين اذا نسب أحدهما إلى الآخر ، فأما أن يكون داخلا فيه أو خارجا عنه وليس هناك قسم ثالث الا اذا قلتم انها عينه ، وأنه ليس هناك موجودان أحدهما خالق والآخر مخلوق ، فلا بد لكم من أحدى هذه الخصال الثلاث ، أما أن تقولوا انها خارجة عنه ، أو تقولوا انها حالة فيه ، أو تقولوا أنها عينه ، ودعوكم من هذا الروغان ، فإنها قسمة حاضرة تقتضيها ضرورة العقل ، ولا يجد المصنف محيصا عنها.
ولهذا ذهب ابن عربي واتباعه من أصحاب مذهب الوحدة الى القسم الثالث ، وهو ان الله عزوجل هو عين هذه الأكوان ، وليس هناك مباينة أصلا بين وجوده ووجودها ، وليس هو مجانبا لها ، بل هو هذا الوجود بعينه وعيانه.
* * *
ان لم يكن فوق الخلائق ربها |
|
فالقول هذا القول في الميزان |
إذ ليس يعقل بعد الا أنه |
|
قد حل فيها وهي كالابدان |
والروح ذات الحق جل جلاله |
|
حلت بها كمقالة النصراني |
فأحكم على من قال ليس بخارج |
|
عنها ولا فيها بحكم بيان |
بخلافه الوحيين والاجماع والعق |
|
ل الصريح وفطرة الرحمن |
فعليه أوقع حد معدوم وذا |
|
حد المحال بغير ما فرقان |
الشرح : بعد ما بين المؤلف أن النسبة بين الله عزوجل وبين هذه الموجودات لا يمكن أن تخرج عن هذه الصور الثلاث ، أما الانفصال والمباينة ، وأما الحلول والمداخلة ، واما نفي الغيرية وابطال الاثنينية بينهما ، والقول بأن وجودهما واحد