قال بعد ذلك فإذا لم يقل الجهمي بأن الله فوق عرشه مباين لخلقه ، كان عليه حينئذ أن يقول بما ذهب إليه أصحاب وحدة الوجود من أن الوجود واحد وأن وجود الرب هو عين هذه الموجودات ، أو ليس له بعد رفض هذين القولين الا ان يقول بما ذهب إليه الحلولية من أن العالم جسم كبير ، وأن ذات الله عزوجل هي الروح السارية في هذا الجسم لحلول روح الحيوان في بدنه ، وذلك مثل ما قالته النصارى في عيسى عليهالسلام حيث زعموا أن الله حل فيه ، وأن اللاهوت وهو الله قد اتحد بالناسوت ، يعنون جسد عيسى ، فصار الكل إلها واحدا ، واذا تبين أن الأمر لا يخلو عن أحد من هذه الفروض الثلاثة ، فمن زعم أن الله ليس بخارج عن هذه الموجودات وليس بحال فيها ، فقد نفي وجوده سبحانه ووصفه بصفات المعدوم الممتنع ، وكان بذلك مخالفا للكتاب والسنة وإجماع الأمة ومناقضا لحكم العقل الصريح وحكم الفطرة السليمة التي فطر الله عليها سائر خلقه.
* * *
يا للعقول اذا نفيتم مخبرا |
|
ونقيضه هل ذاك في امكان |
ان كان نفي دخوله وخروجه |
|
لا يصدقان معا لذي الامكان |
الا على عدم صريح نفيه |
|
متحقق ببداهة الانسان |
أيصح في المعقول يا أهل النهى |
|
ذاتان لا بالغير قائمتان |
ليست تباين منهما ذات لأخ |
|
رى أو تحاثيها فيجتمعان |
ان كان في الدنيا محال فهو ذا |
|
فارجع الى المعقول والبرهان |
الشرح : يعجب المؤلف من سخافة عقول هؤلاء المعطلة النفاة في قولهم أن الله ليس داخل العالم ولا خارجه ، مع أن الدخول والخروج نقيضان والنقيضان يستحيل في العقل ارتفاعهما معا ، كما يستحيل اجتماعهما معا ، بل لا بد من ثبوت أحدهما وانتفاء الآخر ، فإذا استحال أن يكون الله داخل العالم لتنزهه عن الحلول في خلقه وجب ان يكون خارجه ، بأن يكون فوقه عاليا عليه ، وانما يصدق نفي النقيضين معا على المعدوم الصريح الذي تحكم بديهة العقل بامتناعه ، فهو الذي