وقد أجاب المؤلف عن ذلك بأن تلك التفرقة بين القابل وغير القابل دعوى مجردة عن الدليل وهي مبنية على اصطلاح الفلاسفة الذين فارقوا الوحي واعتصموا بفلسفة اليونان فإنهم يزعمون أن التقابل ان كان بين الوجود والعدم كأن يقال الشيء أما موجود أو معدوم استلزم هذا التقابل الحكم عليه بأحدهما ، وأما أن كان تقابلا بين الملكة وعدمها كما في التقابل بين الحياة والموت ، والعلم والجهل ، والبصر والعمى الخ. فإن هذا التقابل لا يستلزم الاتصاف بأحدهما أي بالملكة أو بعدمها الا فيما هو قابل للاتصاف بهما فلا يوصف بالموت مثلا الا ما من شأنه أن يكون حيا ولا يوصف بالجهل الا ما هو قابل للعلم ولا يوصف بالعمى الا ما كان ذا بصر وهكذا. وهذا اصطلاح فاسد مخالف لما هو معروف عند أهل اللغات جميعا من جواز نفي الشيء عما هو له قابل وعن غيره. وهذا لازم لكم أيضا فأنتم تنفون عنه الظلم سبحانه مع أنه غير قابل له عندكم لأن الظلم في حقه محال ممتنع. وكذلك تنفون عنه السنة والنوم مع أنه غير قابل للاتصاف بشيء من ذلك لاستحالته عليه وتنفون عنه الطعم أيضا ، وقد نفاه سبحانه عن نفسه في قوله : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) [الأنعام : ١٤] مع أن الطعم ليس مما يقبل الرب الاتصاف به وتنفون عنه كذلك الزوجة والولد وهما محالان عليه ممتنعان.
* * *
والله قد وصف الجماد بأنه |
|
ميت أصم وما له عينان |
وكذا نفى عنه الشعور ونطقه |
|
والخلق نفيا واضح التبيان |
هذا وليس بها قبول للذي |
|
ينفي ولا من جملة الحيوان |
ويقال أيضا ثانيا لو صح ه |
|
ذا الشرط كان لما هما ضدان |
لا في النقيضين اللذين كلاهما |
|
لا يثبتان وليس يرتفعان |
ويقال أيضا نفيكم لقبوله |
|
لهما يزيل حقيقة الإمكان |
بل ذا كنفي قيامه بالنفس أو |
|
بالغير في الفطرات والأذهان |
الشرح : ومما يدل أيضا على أن الشيء قد يقع وصفا لغير ما هو قابل له أن