وكذا اختصاص كتاب رحمته |
|
بعند الله فوق العرش ذو تبيان |
لو لم يكن سبحانه فوق الورى |
|
كانوا جميعا عند ذي السلطان |
ويكون عند الله إبليس وجبريل |
|
هما في العند مستويان |
وتمام ذاك القول أن محبة |
|
الرحمن عين إرادة الأكوان |
وكلاهما محبوبه ومراده |
|
وكلاهما هو عنده سيان |
الشرح : هذا هو الوجه العاشر ، ويقوم على ما وردت به النصوص من الكتاب والسنة ، من اختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده سبحانه ، فمن الكتاب قوله تعالى في شأن الملائكة : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) [الأنبياء : ١٩] وقوله في شأنهم أيضا : (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) [فصلت : ٣٨] وقوله تعالى في أهل الجنة : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٤ ، ٥٥] ومن السنة مثل قوله عليه الصلاة والسلام «ان الله كتب كتابا فهو عنده فوق العرش ان رحمتي سبقت غضبي».
فهذا من أعظم الأدلة على علوه تعالى على خلقه ، فتكون بعض مخلوقاته أقرب إليه من بعض ، إذ لو لم يكن كذلك لما كان هناك معنى لاختصاص بعضها بالقرب منه ، بل تكون جميعا عنده سواء ، بل يكون أقربها وهو جبريل عليهالسلام بمنزلة ، أبعدها وهو إبليس في تلك العندية ، وهذا لازم للجهمية الذين نفوا علوه تعالى ومنعوا نسبة العباد إليه بالقرب والبعد ، وجعلوا نسبتهم إليه نسبة واحدة ، وزعموا أن محبته عين ارادته. وأن كل ما أراده الله فقد أحبه ، فلزمهم على هذا أن يكون كل من جبريل وابليس مرادا له ومحبوبا ، وأن يكون كلاهما سواء عنده والحق أن محبته سبحانه غير ارادته للأشياء بالارادة الكونية القدرية ، لأن المحبة انما تتعلق بما يأمر الله به عباده ويريده منهم شرعا ، وهذا ليس بلازم أن يقع فقد لا يريده الله كونا وقدرا ، وأما الإرادة الكونية فتتعلق بكل كائن. سواء كان مما يحبه الله ويرضاه ، أو كان مما يبغضه ويسخطه.
* * *