وقوله (وحياته هي نفسه الخ) بيان لما يلزم مذهبهم في النفي من تناقض وافتراء حيث جعلوا حياته هي نفسه وذاته ، وجعلوا كلامه مغايرا له منفصلا عنه مع أنهما متماثلان في أن كلا منهما معنى قائم به.
* * *
وكذاك قالوا ما له من خلقه |
|
أحد يكون خليله النفساني |
وخليله المحتاج عندهم وفي |
|
ذا الوصف يدخل عابد الأوثان |
فالكل مفتقر إليه لذاته |
|
في أسر قبضته ذليل عان |
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد ال |
|
قسري يوم ذبائح القربان |
اذ قال إبراهيم ليس خليله |
|
كلا ولا موسى الكليم الداني |
شكر الضحية كل صاحب سنة |
|
لله درك من أخي قربان |
الشرح : أنكر الجهمية صفة الخلة التي هي كمال المحبة المستغرقة للمحب بدعوى أن المحبة لا تكون إلا لمشاكلة ومناسبة بين المحب والمحبوب ، ومعلوم أنه لا مناسبة بين القديم والحادث توجب ذلك. وحرفوا الكلم عن مواضعه فقالوا : ان معنى الخليل في قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [النساء : ١٢٥] الفقير المحتاج. ولا شك في فساد هذا التأويل ، إذ لا يكون حينئذ لتخصيص إبراهيم بالخلة معنى ، فإن الفقر والاحتياج لازم لجميع الخلق لزوما ذاتيا لا يمكن الانفكاك عنه ، وبذلك يكون وصف الخلة متناولا لجميعهم حتى عبدة الأوثان الذين هم ألد أعداء الرحمن.
فقوله (وفي ذا الوصف ... الخ) رد على الجهمية في تفسيرهم الخليل بالفقير المحتاج بأنه يدخل فيه عموم الخلق ، ومنهم عبدة الأوثان لافتقار الجميع إليه افتقارا ذاتيا لا يتصور معه استغناء في أي لحظة ، والكل في قهر قبضته خاضع ذليل.
وكذلك أنكروا حقيقة التكليم الذي هو مشافهة الله لبعض عباده من وراء حجاب ، كما هو ثابت لموسى بالكتاب ولنبينا محمد عليهما الصلاة والسلام ليلة