على سبيل التشريف كما يقال : بيت الله وناقة الله ، وقضوا على كلامه سبحانه بالخلق ، أي بأنه من جملة المخلوقات التي توجد بالقدرة منفصلة عن الذات. وبالحدثان يعني بالأولية والابتداء ، فعندهم أن الله صار متكلما أي خالقا للكلام بعد أن لم يكن كذلك ، ومعنى هذا أن القرآن وسائر الكتب المنزلة لم يتكلم الله بها وانما خلقها في اللوح أو في الهواء ، وكذلك تكليمه تعالى لموسى عليهالسلام ، إنما هو بكلام خلقه في الشجرة ونحو ذلك.
* * *
قالوا وليس لربنا سمع ولا |
|
بصر ولا وجه ، فكيف يدان |
وكذاك ليس لربنا من قدرة |
|
وإرادة أو رحمة وحنان |
كلا ولا وصف يقوم به سوى |
|
ذات مجردة بغير معان |
وحياته هي نفسه وكلامه |
|
هو غيره فاعجب لذا البهتان |
الشرح : يعني أن من جملة الصفات التي نفاها الجهمية المعطلة عن الله عزوجل صفة السمع التي يسمع بها الأصوات ، وصفة البصر التي يرى بها المرئيات ، وصفة الوجه التي نطقت بثبوتها الآيات.
وقوله (فكيف يدان) استفهام انكاري معناه النفي ، يعني أنهم إذا كانوا قد نفوا عنه هذه الصفات المتقدمة مع اقتضاء العقل لثبوتها ، فكيف يعقل أن يثبتوا له صفة اليدين.
وكذلك نفوا عنه صفة القدرة التي بها الايجاد والاعدام وصفة الإرادة التي يقع بها التخصيص في الممكنات على وفق علمه وحكمته. وكذلك نفوا عنه صفتي الرحمة والحنان وسائر ما يقوم به من المعاني التي أثبتها لنفسه أو أثبتها له رسوله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يثبتوا إلا ذاتا مجردة عن كل معنى ووصف ، ونسبوا إليها آثار الصفات فقالوا : إنه بذاته يعلم ويقدر ويريد ويسمع الخ.
قوله (سوى ذات مجردة الخ) استثناء منقطع ، إذ المستثنى ليس من جنس المستثنى منه ، فإن الذات ليست من جنس الصفات.