ليست كلام الله بل فيض من |
|
الفعال أو خلق من الأكوان |
فالأرض ما فيها له قول ولا |
|
فوق السما للخلق من ديان |
بشر أتى بالوحي وهو كلامه |
|
في ذاك نحن وأنتم مثلان |
الشرح : فلنتحالف بيننا أن نكون عليهم حزبا واحدا ، وأن يكون كل منا سلما لصاحبه ، فإذا فرغنا من قتالهم والقضاء عليهم ، فإن ما بيننا من الخلاف هين بسيط ، بل نحن في حقيقة الأمر أخوان متفقان في أكثر المبادي والأحكام ، فالعرش عند جماعتنا وجماعتكم (وهو الجسم المحيط بكرة العالم) ليس فوقه شيء اللهم إلا العدم المحض الذي ليس شيئا موجودا ، لا في الأعيان ولا في الأذهان. بل ليس وراءه إلا العدم المحقق ، فالله عندنا وعندكم ليس فوق العرش بذاته عكس ما يقوله الديصانية (الذين يقولون بأصلين نور وظلمة ، وأن النور لم يزل يلقى الظلمة بأسفل صفحة منه ، وأن الظلمة لم تزل تلقاه بأعلى صفحة منها) وهذا هو عندنا وعندكم حقيقة التوحيد والمعرفة أن الله وجود مجرد بسيط لا تكثر فيه ، ولا يقال فوق ولا تحت ولا داخل ولا خارج ولا يوصف بقرب ولا بعد ولا اتصال ولا انفصال ، ولا يشار إليه ولا يصعد إليه شيء ، ولا ينزل من عنده شيء وكذلك جماعتنا تقول في التوراة والإنجيل والقرآن أنها ليست كلام الله على الحقيقة ، بل هي عندنا فيض من العقل الفعال الذي هو عقل القمر ، وهو آخر العقول العشرة وأقربها إلى عالم العناصر ، وهو المتصرف فيها بالكون والفساد ، وهو الذي يفيض العلوم على البشر بحسب الاستعداد والتوجه كما يفيض الصور النوعية على المركبات ، وهي عندكم كذلك من جملة المخلوقات ، لأنها حروف وأصوات وألفاظ مكتوبات ، فالاتفاق بيننا وبينكم قائم على نفي أن يكون لله كلام في الأرض ، أو أن يكون بذاته على العرش ، بل الذي نقرؤه بألسنتنا إنما هو كلام بشر أتى بالوحي وليس كلام الله ، ونحن وأنتم في هذا مثلان (١).
* * *
__________________
(١) انظر كيف يعقد المؤلف هذا الشبه القوي بين الأشعرية المتأخرة وبين الفلاسفة رغم ما كانا يتظاهران به من عداء.