آثارها مطموسة أعلامها ، ففلق الله سبحانه بمحمد صلىاللهعليهوسلم صبح الإيمان ، فأضاء حتى ملأ الآفاق نورا ، وأطلع به شمس الرسالة في حنادس الظلم سراجا منيرا ، فهدى الله به من الضلالة ، وعلم به من الجهالة ، وبصر به من العمى وأرشد به من الغي ، وكثر به بعد القلة ، وأعز به بعد الذلة ، وأغنى به بعد العيلة ، واستنقذ به من الهلكة ، وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ، فبلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في الله حق جهاده وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه وشرح الله له صدره ، ورفع له ذكره ووضع عنه وزره ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره ، وأقسم بحياته في كتابه المبين ، وقرن اسمه باسمه فإذا ذكر ذكر معه كما في الخطب والتشهد والتأذين ، فلا يصح لأحد خطبة ولا تشهد ولا أذان ولا صلاة حتى يشهد أنه عبده ورسوله شهادة اليقين ، وصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وجميع خلقه عليه ، كما عرفنا بالله وهدانا إليه ، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد : فإن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبد بمعرفته ويجمع قلبه على محبته شرح صدره لقبول صفاته العلى وتلقيها من مشكاة الوحي ، فإذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول وتلقاه بالرضا والتسليم وأذعن له بالانقياد فاستنار به قلبه واتسع له صدره وامتلأ به سرورا ومحبة ، فعلم أنه تعريف من تعريفات الله تعالى تعرف به إليه على لسان رسوله ، فأنزل تلك الصفة من قلبه منزلة الغذاء ، أعظم ما كان إليه فاقة ومنزلة الشفاء أشد ما كان إليه حاجة ، فاشتد بها فرحه ، وعظم بها غناؤه ، وقويت بها معرفته ، واطمأنت إليها نفسه ، وسكن إليها قلبه ، فجال من المعرفة في ميادينها ، وأسام عين بصيرته في رياضها وبساتينها لتيقنه بأن شرف العلم تابع لشرف معلومه ، ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته ، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وأن شرفه أيضا بحسب الحاجة إليه ، وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها الى معرفة باريها وفاطرها ومحبته وذكره والابتهاج به ، وطلب الوسيلة إليه والزلفى عنده ، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه ، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله