لأمته أن يتأدبوا في حق الأنبياء ، وأن لا يفضلوا أحدا منهم بخصوصه على آخر بخصوصه وان كان المفضل هو محمد ، والمفضل عليه هو يونس عليهما الصلاة والسلام ، وانما خص يونس بالذكر لأن بعض الأوهام قد يسبق إليها هبوط درجته عليهالسلام عن اخوانه من المرسلين حيث أخبر الله عزوجل عنه : انه التقمه الحوت وهو مليم أي فاعل ما يلام عليه ، وقال في حقه : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٨٧] على أن الحديث بهذا اللفظ لم يروه أحد من أهل الكتب التي يعتمد عليا ، وانما اللفظ الذي في الصحيح «لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى» وفي رواية «من قال أني خير من يونس بن متى فقد كذب».
ومعلوم أنه ليس في هذه الروايات تعرض للمفاضلة بين محمد وبين يونس عليهماالسلام ، ولا نهي للمسلمين أن يفضلوا محمدا على يونس ، بل هو نهي عام لكل أحد أن يفضل ويفتخر على يونس ، وهل يقول من له ذرة من عقل ، ولمحة من ايمان ان مقام الذي أسرى به إلى ربه وهو مقرب معظم مكرم كمقام الذي القي في بطن الحوت وهو مليم ـ واين المعظم المقرب من الممتحن المؤدب ، ولو جاز أن يتخذ من مثل ذلك الحديث دليلا على نفي علوه تعالى على خلقه فهل يقوى مثله في احتماله وبعد الاستدلال به أن يقاوم الأدلة الصريحة القطعية من الكتاب والسنة والعقل والفطرة على علوه تعالى والتي بلغت من الكثرة أن زادت على ألف دليل.
فانظر إلى حال الجهمي الجاهل الذي يتجرأ على الناس بسخافة حمقاء ، ثم أنظر إلى قبولهم ذلك منه ، وفرحهم به وبجهلهم وقلة علمهم بكلام الله وكلام رسوله فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من خلقه ، وهدانا صراطه المستقيم.
* * *