قال اسمعوا يا قوم لا تلهيكم |
|
هذي الأماني هن شر أماني |
أتعبت راحلتي وكلت مهجتي |
|
وبذلت مجهودي وقد أعياني |
فتشت فوق وتحت ثم أمامنا |
|
ووراء ثم يسار مع أيمان |
ما دلني أحد عليه هناكم |
|
كلا ولا بشر إليه هداني |
إلا طوائف بالحديث تمسكت |
|
تعزي مذاهبها إلى القرآن |
الشرح : بعد أن فرغ الشيخ من ذكر مذهب الجهمية أهل التعطيل والالحاد شرع في بيان ما جره هذا المذهب من انسلاخ طائفة كبيرة من النظار من الدين جملة ونزوعهم إلى الزندقة والانحلال ، فانهم فتشوا فوجدوا أن مذاهب الجهمية والمتكلمين متضاربة متناقضة ينفون الشيء ويثبتون نظيره ، ويقطعون بالشيء في موضع وبضده في موضع آخر ، فشكوا فيها جميعا ولم يطمئنوا إلى صحتها. ثم نظروا في مذاهب أهل السنة والجماعة فوجدوها محكمة مطابقة لما جاء به الكتاب الحكيم والسنة المطهرة فأعجبوا بها وكادوا يدخلون في أهلها لو لا أنهم رأوا الجهم وأصحابه يرمونهم بأشنع الألقاب ، ويتهمونهم بالتشبيه والتجسيم تنفيرا للناس من أتباعهم. فحار هؤلاء بين الفريقين ، ولم يجدوا بدا من نبذ ذلك كله والعيش في هذه الدنيا كالبهائم ، بلا عقيدة ولا دين.
والآن فلنسمع إلى الشيخ يحكي لنا على لسان رائد هذه الجماعة وهو يقول لهم : يا قوم ان سعيكم هذا في ضلال ، وإن ما تطلبونه مستحيل المنال ، فلا تشغلنكم هذه الأماني الكواذب ، فهن شر أماني ، لقد أتعبت راحلتي ، مغذا السير ، حتى كلت مهجتي ونفدت قوتي ، ومع ذلك أعياني الوصول إليه ، لقد بحثت عنه في جميع الجهات الست ، فما وجدت أحدا دلني على وجوده ولا هداني إلى معرفته ، اللهم إلا جماعة تمسكوا بصحاح الأحاديث ، وانتسبت مذاهبهم إلى القرآن ، فهم الذين يبشرون بوجوده ويدلون عليه كل طالب للوصول إليه.
* * *
قالوا الذي تبغيه فوق عباده |
|
فوق السماء وفوق كل مكان |