فيهم شككت في المذهبين جميعا ورجعت من سفري بخيبة واخفاق قلت لصاحبي ، وقد كلت دابتي من السير حتى أعلمت بحرانها وامتناعها عن المسير عطل ركابك واسترح من سيرها فإنه لا حاجة بك إلى كثرة التجوال وطول الكلام فقد جئتك من هناك بالخبر اليقين وهو أنه لا شيء وراء هذه الأكوان.
ثم أخذ يدلل على قضيته الخاسرة ، فقال لو كان للأكوان رب خالق موجود لكان مذهب المجسمة هو أصح المذاهب وأقواها برهانا وأولاها بالقبول ، فإن القول بوجوده يقتضي أن يكون ذلك الوجود متحققا في جهة ولما استحال القول بوجوده داخل هذا العالم لما يلزم عليه من أن تكون الحوادث ظرفا له محيطة به فلا بد من القول بأنه بائن عن الورى منفصل عنهم ، أما القول بأنه موجود لا في مكان وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ، فإنه ينطوي على التناقض كأنه قيل هو موجود معدوم ، فالحكم بوجود رب خالق للعالم بائن عنه يقتضي انتصار مذهب التجسيم ، وأن يكون أهله أحق الناس بالإسلام والإيمان والإحسان وأن يكون حزبهم هو الأعز الأغلب فوق رءوس المذاهب جميعا.
* * *
فدع التكاليف التي حملتها |
|
واخلع عذارك وارم بالأرسان(١) |
ما ثم فوق العرش من رب ولم |
|
يتكلم الرحمن بالقرآن |
لو كان فوق العرش رب ناظر |
|
لزم التحيز وافتقار مكان |
لو كان ذا القرآن عين كلامه |
|
حرفا وصوتا كان ذا جثمان |
فإذا انتفى هذا وهذا ما الذي |
|
يبقى على ذا النفي من إيمان |
فدع الحلال مع الحرام لأهله |
|
فهما السياج لهم على البستان |
فاخرقه ثم ادخل ترى في ضمنه |
|
قد هيئت لك سائر الألوان |
وترى بها ما لا يراه محجب |
|
من كل ما تهوى به زوجان(٢) |
__________________
(١) جمع رسن وهو الحبل الذي تشد به الدابة.
(٢) والزوجان مفرده زوج والمراد به الصنف.