وزعمت أن له سمعا وبصرا ، فهو يسمع أصوات خلقه مهما خفتت ، حتى همسات الخواطر ونجوى الضمائر ، ويراهم من فوق سبع سماوات ، بل من فوق ثمان بحيث لا يمتنع على رؤيته أصغر ذرة. وزعمت أنه متكلم بكلام هو صفة له ، وأنه يتكلم بمشيئة ، وأن القرآن كلامه على الحقيقة ، وأنه منه بدأ بلا كيفية قولا وأنزله على رسوله وحيا ، وأنه يرجع إليه في آخر الزمان حين يقبضه من صدور العباد. ووصفته بصفات المخلوقين من السمع والبصر والإرادة والقدرة والكراهة والمحبة والحنان. وزعمت أنه يعلم كل ما في الكون من غيب وشهادة وسر واعلان وأن العلم وصف زائد على ذاته زيادة الأعراض ، وأن هذا العرض قائم به وهو غير ذي جثمان.
* * *
وزعمت أن الله كلم عبده |
|
موسى فأسمعه ندا الرحمن |
أفتسمع الآذان غير الحرف والص |
|
وت الذي خصت به الأذنان |
وكذا النداء فإنه صوت باجم |
|
اع النحاة وأهل كل لسان |
لكنه صوت رفيع وهو ضد |
|
للنجاء كلاهما صوتان |
فزعمت أن الله ناداه ونا |
|
جاه وفي ذا الزعم محذوران |
قرب المكان وبعده والصوت بل |
|
نوعاه محذوران ممتنعان |
الشرح : وزعمت كذلك أن الله كلم عبده موسى بن عمران بكلام سمعه بأذنيه وذلك الكلام المسموع لا يكون الا حرفا وصوتا ، لأنه هو الذي خصت الآذان بسماعه. وكذلك زعمت أنه ناداه من جانب الطور الأيمن ، والنداء لا يكون إلا صوتا باجماع أهل اللغات ، لكنه صوت عال ، ويقابله النجاء وهو الصوت الخفيض ، وكلاهما صوتان ، وكلاهما ثابت لموسى عليهالسلام حيث يقول القرآن : (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) [مريم : ٥٢] وفي زعمك أيها المثبت أن الله نادى موسى وناجاه ، قد ارتكبت محذورين. أولهما وصف الله عزوجل بقرب المكان وبعده ، فان النداء يقتضي البعد ، وضده