«قال الله تعالى» في حق نبيئنا صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو سيّد الأنبياء وأفضلهم وثوابه أكثر (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) (١).
فدلّت هذه الآية : أن الركون القليل من النبيء صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المشركين يحبط ثوابه ويبطله ولو كان كثيرا.
قال في الكشاف في معناها : أي لأذقناك عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين وأصله : لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات ، لأن العذاب عذابان : عذاب في الممات وهو عذاب القبر ، وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار ، والضعف يوصف به نحو قوله تعالى : (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) (٢) بمعنى مضاعفا فكان أصل الكلام : لأذقناك عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف ، ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف فقيل : ضعف الحياة وضعف الممات كما لو قيل : لأذقناك أليم الحياة وأليم الممات.
قال : وفي ذكر الكيدودة وتقليلها مع إتباعها الوعيد الشّديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل بيّن على أنّ القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته.
قلت : وهذا حق وهو عكس ما ذكره المخالف.
«فليس ما قالوا» من أن معاصي الأنبياء المتعمدة صغائر لكثرة ثوابهم «بصحيح ، وأيضا لا خلاف في وقوع خطايا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» لأنّ الله سبحانه قد أخبر بها وهو أصدق القائلين «فإن تعمّدوها لأجل تعريفهم أنها صغائر» أي لأجل إعلام الله سبحانه إيّاهم أنها صغائر «فذلك إغراء» منه تعالى بفعلها «وهو» أي الإغراء بفعلها «لا يجوز على الله تعالى» لأنّ الإغراء بفعل القبيح كفعل القبيح.
__________________
(١) الإسراء (٧٤).
(٢) الأعراف (٣٨).