بالإسلام العارف للشرائع والمقرّ بها وهو مع ذلك يتجارى على الله سبحانه بالفواحش أعظم من عقاب الكافر الجاحد بالله لأنه حينئذ كالمستهزئ بالله والمقابل لما فضله الله به وأنعم عليه من فضيلة العلم ومعرفة الشرائع بالكفر لها والعصيان وقد قال الله تعالى في المنافقين : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (١) والله أعلم.
ويؤيّد ذلك : ما رواه أبو طالب عليهالسلام في أماليه بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهمالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم «والذي نفس محمد بيده للزّبانيّة من الملائكة أسرع إلى فسقة حملة القرآن منهم إلى عبدة النيران والأوثان ، فيقولون : يا رب : بدئ بنا سورع إلينا يا رب ، فيقول الرب تبارك وتعالى : ليس من يعلم كمن لا يعلم».
(فصل)
«ولا إكفار ولا تفسيق إلّا بدليل سمعيّ».
قال الإمام المهدي عليهالسلام : واعلم : أن معرفة مسائل الإكفار والتفسيق واجبة على كل مسلم لأن الشرع ورد بأحكام تعبّدنا بها في حق المؤمن والكافر والفاسق تتعلّق بالموالاة والمعاداة والتناكح والكفاءة والتوارث ونحوه ، فتجب على كل مكلف ملتزم بالشريعة معرفة تلك الأمور ليمكنه تأدية ما كلّف من الأحكام المتفرعة عليها ، قال : ولا يقال : إنما لزم المكلف إجراء أحكامهم بشرط معرفتهم ومهما لم يعرفهم لا تلزمه أحكامهم.
وتحصيل شرط الواجب ليجب لا يجب لأنا نقول : إنه سبحانه قد عرّفنا أنّ في أفعالنا ما هو طاعة وما هو معصية ، وفي المعصية ما هو كفر وما هو فسق ، وأنّ لكل واحد منهما أحكاما يجب علينا العمل بها ، وقد عرّفنا وقوع الطاعات والمعاصي من العباد ومكّننا من تمييز بعضها من بعض ، وأمرنا في المطيع بأحكام وفي العاصي بأحكام أمرا مطلقا من غير
__________________
(١) النساء (١٤٥).