وقوله تعالى : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (١).
وقوله جلّ وعلا : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (٢).
«فلو كان» ما عمله المجرمون من الطاعات «مسقطا» لشيء من عقابهم «لم يكن باطلا» إذ قد عاد عليهم نفعه.
والآيات مصرّحة ببطلانه ، والهباء هو : ما يخرج من الكوّة مع ضوء الشّمس شبه الغبار شبّه به أعمالهم في البطلان ووصفه بأنه منثور زيادة تأكيد لذلك.
وحكى البستي رحمهالله عن الناصر عليهالسلام أنه قال : إن الله تعالى لا يدع جزاء على صالح أعمال مرتكب الكبيرة لا في الآخرة بل في الدنيا يمدّه بالزيادة في عمره وإمهاله والسّلامة والصّحة في بدنه وجوارحه وأن يضاعف المنن والإحسان لديه بالتثمير في ماله والنّمو في ولده حتى يوفيه من الجزاء على صالح عمله في الدنيا.
قلت : ولعل هذا معنى قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ...)الآية (٣).
«قالوا :» أي مخالفونا الذين ذهبوا إلى الموازنة : «يفرق في العقل بين من أحسن بعد الإساءة ، وبين من أساء ولم يحسن» أي يحكم العقل بأن الذي أحسن وأساء له مزيّة وفضل على من أساء ولم يحسن ، كرجل قطع عمره في عبادة الله ثم فعل كبيرة ومات ، وآخر لمّا بلغ أوان التكليف فعل مثل تلك الكبيرة ثم مات فيلزم أن يكون عقابهما سواء ونحن نعلم أنه لا بدّ من فرق بينهما ، ولا فرق إلّا بما ذكرنا.
«قلنا : يحسن في العقل : ردّ إحسان المسيء الغير المقلع عن الإساءة» كمن أساء إليك بقتل ولدك ثم أحسن إليك وهو غير مرتدع عن
__________________
(١) محمد (٣٣).
(٢) الحجرات (٢).
(٣) هود (١٥ ـ ١٦).