القراءة وهي ممّا لا يبقى وكل ما لا يبقى فهو محدث لما ثبت أن القديم يجب بقاؤه لا يتغير ولا يفنى.
قال : فإن قيل : هذا يقتضي أن القرآن غير باق مع المسلمين ولا موجود مع محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لأن الحروف لا تبقى وهذا قول خارج عن قول المسلمين.
قلنا : وما تعني بقولك : إنّ القرآن موجود؟
إن أردت أنّ عين ما أحدثه الله تعالى من الكلام باق إلى الآن فذلك لا يصحّ لأنه أصوات وحروف وهي من قبيل ما لا يبقى.
وإن أردت أن ما يسمع عند القراءة يلزم أن لا يسمّى كلام الله ولا القرآن فقد بيّنا أنّ التّسمية راجعة إلى عرف اللغة والشرع وقد ورد بذلك أما اللغة : فلأنهم يسمّون ما سمع (١) من قصيدة امرئ القيس وخطبة أمير المؤمنين : كلام امرئ القيس وخطبة أمير المؤمنين.
وإن كان العقل يقضي أنّ ذلك قد عدم وإنّما سمع غيره.
وأمّا الشرع : فلما بيّنا أنّ المسموع من أيّ قارئ كان من برّ أو فاجر مسلم أو كافر سمّاه الشرع قرآنا وكلام الله كما قال تعالى : (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (٢).
وإن كان المسموع هو عين فعل القارئ ، ولهذا يتعلّق به المدح والذمّ والأمر والنهي. انتهى كلام المحجة.
قلت : هو فعل القارئ من جهة الحكاية والاتّباع وهو فعل الله حقيقة من جهة الابتداء والاختراع فالمدح والذمّ والأمر والنهي يتعلّق به من جهة حكايته ، والتسمية حقيقة لغوية من جهة ابتدائه وحكايته ، والعقل يحكم بذلك ، واللغة جارية بذلك.
__________________
(١) (ض) ما يسمع.
(٢) التوبة (٦).