بل كما جاز أن يكون الإرشاد إلى الإسلام خارجا عن ذلك ، لكونه يبتغى به وجه الله ، جاز أن تكون تربية النبيّ ـ عليهالسلام ـ له كذلك ، فإنّ إحسان النبيّ ـ عليهالسلام ـ لم يكن لعوض ، بل لله محضا ، فهو داخل في ذلك.
على أنّا لا نسلّم أنّه أراد ما ذهب إليه المستدلّ ، إذ من الجائز أن يكون أراد الإخبار بأنّه يؤتي ماله يتزكّى مع أنّه ليس لأحد عليه نعمة يجازيه عليها بتزكيته عليه ، (٣٦) ومع هذا الاحتمال يسقط ما ذكروه.
وعن الخامس : سلّمنا أنّ الصحابة خاطبته ، لكن ما المانع أن يكون ذلك تبعا لتسمية الناس له؟ كما يقال : عظيم الروم أي الذي يسمّونه عظيما. وكما قال تعالى : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) (٣٧) على أنّا لم نستبن أنّ عليّا ـ عليهالسلام ـ خاطبه بذلك من طريق مسكون إليه ، وإنّما هي أخبار آحاد شاذّة. ولو سلّمنا ذلك لكان الحال فيه كما ذكرنا في عذر الصحابة ، ولو لم يكن كذلك لأمكن أن يكون تلفّظ بذلك تقيّة.
قوله : التقيّة مرتفعة لإمكان أن يخاطبه بغير ذلك. قلنا : لا نسلّم لأنّ ذلك كان هو المراد ، فلم يتمكن من اطّراحه عند الخطاب ، وكيف وقد أخرج من منزله يقاد قهرا بعد أن قالوا : إن لم تخرج أحرقنا عليك بيتك (٣٨).
__________________
(٣٦) هذا الاحتمال هو الظاهر المستفاد من الآية والاحتمال الآخر ضعيف في الغاية ، والمؤلّف ـ رحمهالله ـ ليس بصدد تفسير الآية ، بل مقصوده ردّ كلام الخصم كما لا يخفى.
(٣٧) سورة طه ، الآية : ٩٧.
(٣٨) قال ابن قتيبة في كتابه «الإمامة والسياسة» : إنّ أبا بكر تفقّد قوما تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرم الله وجهه ، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار عليّ ، ـ