فالدهرية أنكروه ، وقالوا الإنسان ينعدم بموته ولا يكون له عود إلى الوجود.
والقائلون بأن المعدوم شيء ، قالوا بأنه ينعدم بموته ثم يعود إلى الوجود ، وحينئذ يثاب أو يعاقب. أما انعدامه فلقوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) و (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، وأما عوده فلوجوب كونه مثابا أو معاقبا في الآخرة.
والنفاة القائلون بكونه جسما قالوا : فناؤه وهلاكه عبارة عن تلاشي أجزائه واضمحلال أعضائه في التركيب (١) وغيره ، واعادته جمع أجزائه وإحداث أعراض فيه مثل ما كانت قبل موته وهي عند أكثرهم يستحيل أن تكون عرضا لأن المعدوم لا يعاد.
والحكماء (٢) قالوا : أنّه محل للعلم بما لا ينقسم ، وبما لا يمكن أن يشار إليه إشارة حسية ، ويستحيل أن يكون محل ما لا ينقسم أو لا يقبل الإشارة جسما ، لوجوب انقسامه (٣) وقبوله للإشارة بالتبعية ، فإذن هو جوهر مفارق للأجسام.
ثم اختلفوا فقال القدماء منهم (٤) أن ذلك الجوهر قديم وإنما يكون تعلقه بالبدن محدثا.
وقال أرسطاطاليس وأتباعه (٥) : أنه حادث مع البدن ،
__________________
(١) في (د) كالتركيب.
(٢) الفلاسفة ونقل الرازي أن معمر من السنة والإمام الغزالي وافقاهم ، محصّل ص ٣٢٨.
وكذلك نقله الأشعري عن معمر في مقالات الإسلاميين ج ٢ ص ٢٦.
(٣) في (د) بعدها (ووجوبه) زائدة.
(٤) أفلاطون ومن قبله : محصّل ٣٣٢.
(٥) راجع نفس المصدر السابق.