ومن مكابرات جمهورهم دعواهم ان الذي يقدر على ان يرتفع من الارض شبرا قادر على الصعود الى السماوات ، كل بقة او بعوضة قادرة على شرب ماء البحار والانهار ، وعلى قتل اهل السموات والارض. ويزعم اكثرهم ان الزنج والترك قادرون على افتراض مثل قصائد العرب وعلى معارضة القرآن بمثله وما هو افصح منه ، وان / المقيد المغلل قادر على طفر الانهار والصعود الى السماء. ومن لم يعد هذه مكابرة ولا وجه لانكاره مكابره السوفسطائية (١) ، وكان فيهم رجل يعرف بقاسم الدمشقي يزعم ان حروف الصدق هي حروف الكذب باعيانها. وان حروف قول القائل : لا إله الا الله ، هي حروف من قال لا إله الا المسيح. وان الحروف التي الفها النبي صلىاللهعليهوسلم في كلامه هي الحروف التي الفها الشيطان في تكذيبه ، وان الحروف التي في القرآن في كتاب زرتشت المجوسي ، وان لم يكن هذه مكابرة فلا مكابرة في قول اهل العناد من السوفسطائية (٢).
وذكر اصحاب التواريخ ان سبعة من زعمائهم اجتمعوا في مجلس وظهرت محاربهم في مسألة القدرة على الظلم والكذب ، فقيل للنظام : هل يقدر الله عزوجل على ان يكذب؟ فقال : لو قدر عليه لم يدر لعله قد / ظلم وكذب فيما مضى ، او لعله يظلم او يكذب في المستقبل ، ولم يكن لنا من ذلك امان الا من جهة حسن الظن به. فاما دليل مؤمن منه فلا ، لان الدليل لا يخرجه من القدرة عليه ، وما قدر عليه لم يؤمن وقوعه منه. فقال له الاسواري : يلزمك على هذا ان لا يقدر على ما علمه انه لا يفعله او اخبرنا به لا يفعله ، لانه لو قدر عليه لم يؤمن وقوعه منه فيما مضى ، او في المستقبل. ـ فقال له النظام : هذا لازم ، فما قولك فيه؟ قال : انا اسوي بينهما او اقول انه لا يقدر على الجور ولا على ما علم انه لا يفعله ، ولا على ما اخبرنا به لا يفعله ، وان كان فعل مثله عدلا منه. فقال ابو الهذيل للاسواري : ما تقول في فرعون ومن علم الله منهم
__________________
(١) الكلام الخاص بالزنج والترك الى ... السوفسطائية ، غير وارد في كتاب «الفرق».
(٢) ورد هذا الكلام عن قاسم الدمشقي في كتاب «الفرق» (ط. بدر ص ١٨٥ ، ط. الكوثري ص ١١٩ ، عبد الحميد ص ١٩٨).