ولو خلق عرشا آخر او عروشا كثيرة لصار الجميع مكانا له. وهذا يوجب ان يكون العرش المعروف كبعض الاله في عرضه. ومنهم من قال : لو خلق بإزاء العرش عرشا آخر كان العرش الاول مكانا له دون الثاني. وهذا يوجب ان عرضه / كعرض العرش المعروف الآن.
ثم انهم قالوا بقول ان الله له حد ونهاية واحدة ، ولا نقول انه محدود ، متناه لنفينا عنه الحد والنهاية في خمس جهات. ـ وقالوا ان الله محل الحوادث ، يحدث عنه اعراض كثيرة وهي اقواله وارادته (وادراكاته) (١) المرئيات (وادراكاته) (٢) للمسموعات ومماساته لما تحته من العرش.
وزعموا انه لا يحدث في العالم جسم ولا عرض الا بعد حدوث اعراض كثيرة في ذات الاله ، منها قوله لذلك «كن موجودا» ، وكل حرف من هذا القول عرض حادث فيه. ومنها ارادته بحدوث ذلك الحادث. فاذا حدث القول والإرادة فيه ، حدث المراد المقول له «كن». وعند حدوث هذا المراد تحدث في الله تعالى رؤية له ، وان كان الحادث كلاما او صوتا حدث في الله / استماع له ، ولو لم يحدث منه الادراك له لم يكن له رائيا ولا سامعا. وقد نعقوا بهذه البدعة على انفسهم دلالة الموحدين على حدوث الاجسام ، لانهم استدلوا على حدوث الاجسام بحلول الاعراض الحادثة فيها ، وقالوا : ما كان محلا للحوادث لم يخل من الحوادث ، ولم يسبقها ، وما لم يسبق الحوادث كان محدثا. فاذا زعمت الكرامية ان معبودها محل الحوادث فانه سابق لها ، صاروا الى مثل قول اهل الهيولى الذين زعموا ان هيولى العالم الآن محل الحوادث ، وهو سابق لها.
وزعمت الكرامية أيضا ان الله كما لا يخلق في العالم شيئا الا بعد حدوث اعراض كثيرة فيه ، كذلك لا يعدم من العالم شيئا الا بعد حدوث اعراض فيه ، منها ارادته لفناء ذلك الفاني. ـ ومنها قوله : «افن» او «كن معدوما» ، فصارت الحوادث في العالم كله. ـ وزعم اكثرهم ان الحوادث / فيه عندهم اضعاف جميع الحوادث التي تحدث في الله عزوجل ، لا يجوز عدمها. وهذا
__________________
(١) في المخطوط : والراية.
(٢) في المخطوط : والداماته.