قال المنصور : أجل ، ولكن تحلف لي ليطمئن قلبي!!
قال عمرو : لئن كذبتك تقية لأحلفنّ لك تقية.
قال المنصور : واللهِ ، واللهِ أنت الصادق البرّ» (١).
أقول : إنّ في هذه المحاورة دليلاً على إيمان المنصور بالتقية أيضاً ، فضلاً عن تصريح عمرو بن عبيد بها. إذ لو كانت التقية محرّمة ، لأبدى المنصور معارضته ، ولقال مثلاً : كيف تحلف بالله باطلاً؟
٥٤ ـ تقية جمع من التابعين سنة (١٤٥ ه) :
روى الطبري (ت / ٣١٠ ه) ، وابن كثير (ت / ٧٧٤ ه) ما يدلّ على تقية جمع كبير من التابعين وغيرهم ، وذلك في إرضائهم المنصور بالنيل من رجلٍ حسني بعد قتله وهو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام ، الذي قتله المنصور لخمس بقين من ذي القعدة سنة / ١٤٥ ه.
قال الطبري ، وتابعه ابن كثير : «إنّ المنصور العباسي لما اتي برأس إبراهيم بن عبد الله ، وضعه بين يديه ، وجلس مجلساً عامّاً ، وأذِنَ للناس ، فكان الداخل يدخل فيسلم ، ويتناول إبراهيم فيسيء القول فيه ، ويذكر منه القبيح التماساً لرضا أبي جعفر ، وأبو جعفر (أي : المنصور) ساكت ممسك متغيّر لونه ، حتّى دخل جعفر بن حنظلة البهراني ، فوقف فسلّم ، ثمّ قال : عظّم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمّك ، وغفر له ما فرّط فيه من حقّك ، فاصفرّ لون أبي جعفر ، وأقبل عليه ، فقال : أبا خالد مرحباً وأهلاً هاهنا! فعلم
__________________
(١) تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي ٢٦٩ : ١٢.