وفي لفظ الإمام أحمد بن حنبل (ت / ٢٤٠ ه) : «لو لا أن قومك حديث عهد بشرك أو بجاهلية لهدّمت الكعبة ، فألزقتها بالأرض ، وجعلت لها بابين : باباً شرقياً ، وباباً غربياً ، وزدت فيها من الحجر ستة أذرع ، فإنّ قريشاً اقتصرتها حين بنت الكعبة» (١).
وقريب من هذا اللفظ ما أخرجه البخاري من طريق عبيد بن إسماعيل ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، ومن طريق سنان بن عمرو ، عن عروة ، عن عائشة (٢). وبعد ... أليس في هذه الأحاديث دلالة صريحة على أنّ رسول الله (ص) كان يتّقي القوم مخافة أن تنفر قلوبهم ، لحداثة عهدهم بالكفر ، وقربه من الشرك والجاهلية؟
ثالثاً دليل الإجماع :
لقد ثبت ممّا تقدّم انّ التقية قد شرّعها الله تعالى في كتابه الكريم ، وتقدّمت أقوال ما يزيد على ثلاثين مفسّراً من مفسّري المذاهب والفرق الإسلامية في جواز التقية ، زيادة على ما أثبتته أهم كتب الحديث وأصحّها عند أهل السُّنّة من جواز التقية أيضاً.
وهذا يعني انّ أهم مصادر التشريع في الإسلام قد أثبتت مشروعية التقية ، إذ ليس هناك من مصدر تشريعي أقوى حجّة من الكتاب والسُّنّة على الإطلاق.
وأمّا عن الإجماع ، فهو على الرغم من كونه في نظر علماء الشيعة مجرّد
__________________
(١) مسند أحمد ١٧٩ : ٦ ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٤٧٩ : ١ ٤٨٠ وقال : «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه هكذا» ، وأخرجه المتّقي الهندي في كنز العمال ٢٢٢ : ١٢ / ٣٤٧٦٣ عن مسند أحمد و ٢٢٢ : ١٢ / ٣٤٧٦٤ عن مستدرك الحاكم.
(٢) صحيح البخاري ١٨٠ : ٢ (كتاب الحجّ باب فضل مكّة وبنيانها).