(وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) (١) ثمّ قال في تفسير الآية الكريمة : «أي : وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه منهم خوفاً على نفسه : أينبغي لكم أن تقتلوا رجلاً ما زاد على أن قال : ربّي الله ، وقد جاءكم بشواهد دالّة على صدقه؟ ومثل هذه المقام لا تستدعي قتلاً ، ولا تستحق عقوبة!
فاستمع فرعون لكلامه ، وأصغى لمقاله ، وتوقّف عن قتله» (٢).
وهكذا شاء الله أن يجعل من تقية هذا الرجل المؤمن رضي الله تعالى عنه ومن نصحه لقومه ، ومداراته وتلطّفه تقية في الكلام سبباً لدرء القتل عن موسى عليهالسلام.
وإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك فكيف ساغ لبعضهم القول : بأنّ التقية من وضع أئمّة الرافضة ليبرّروا بها ما اختلف من أقوالهم؟
بل كيف يصحّ القول بعدئذٍ بأنّ من يتّقي هو مخادع كذّاب؟
الآية الرابعة :
قال تعالى : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً* إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) (٣).
هذه الآية الكريمة هي من جملة الآيات المبيّنة لقصّة أصحاب الكهف في
__________________
(١) القصص ٢٠ : ٢٨.
(٢) تفسير المراغي ٦٣ : ٢٤.
(٣) الكهف : ١٩ : ١٨ ٢٠.