ولا خلاف بين أهل الإسلام بجواز أكل المضطرّ لمثل هذه المحرّمات ، وهذا الاضطرار كما يحصل من الجوع في مخمصة ، فقد يحصل أيضاً نتيجة الإكراه عليه.
قال مجاهد بن جبر المكّي (ت / ١٠٣ ه) وهو من أئمّة المفسّرين من التابعين ، في تفسير الآية الخامسة : «يعني : اكره عليه ، كالرجل يأخذه العدوّ فيكرهونه على أكل لحم الخنزير وغيره في معصية الله تعالى ، إلا أنّ الإكراه يبيح ذلك إلى آخر الإكراه» (١).
وهذا دليل مضاف على ما تقدّم من أنّ التقية ليست في الكلام فقط ، وإنّما تكون في الفعل أيضاً ، حيث دلّت هذه الآية على جواز التقية في الفعل عند الإكراه عليه ، كما لو أكرَه الكافرُ مسلماً على أكل لحم الخنزير فإنّه يُباح له ذلك ، كما ابيح ذلك للمضطرّ ، ولا يسعه أن يمتنع.
قال الجصّاص الحنفي (ت / ٣٧٠ ه) : «ومن امتنع من المباح كان قاتلاً نفسه متلفاً لها عند جميع أهل العلم .. إنّه لو امتنع من أكل المباح معه حتى مات كان عاصياً لله تعالى» (٢).
الآية السادسة :
قال تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (٣).
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ٢٢٧ : ٢.
(٢) أحكام القرآن / الجصّاص ١٢٧ : ١.
(٣) البقرة ١٩٥ : ٢.