الآية الثانية :
قال تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١).
هذه الآية الكريمة مكّية بالاتفاق ، وقد نزلت في بداية الدعوة إلى دين الإسلام ، والمسلمون بعد ثُلة قليلة ربّما لا يتجاوزون عدد الأصابع ، وهذا يعني أنّ تاريخ تشريع التقية في الإسلام كان في بداية أمر هذا الدين الحنيف.
والحقّ أنّ تاريخ تشريع التقية كما يبدو من الآيات الاخر في القرآن الكريم قد سبق تاريخ ولادة الدين الإسلامي بزمن بعيد ، حيث كانت مشروعة في زمن عيسى ومن قبله موسى عليهماالسلام. ولمّا بزغت شمس الإسلام ، سارع القرآن الكريم إلى إمضاء هذا التشريع وإقراره ، لكي تكون التقية منسجمة تماماً مع مرونة هذا الدين العظيم الذي لا حرج فيه ولا عسر ، ومن ثمّ لتكون التقية فيه حصناً يتحصّن فيه المسلمون أمام طغيان أبي سفيان ، وجبروت أبي جهل كلّما دعت الضرورة إليها. وهذا ما سيتّضح من أقوال المفسّرين وغيرهم من علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم وفرقهم في تفسير هذه الآية الكريمة ، وعلى النحو الآتي :
قال الحسن البصري (ت / ١١٠ ه) في تفسير هذه الآية : «إن عيوناً لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما ، فقال لأحدهما : أتشهد أنّ محمّداً رسول الله؟ قال : نعم ، قال : أتشهد أنّي رسول الله؟ فأهوى إلى اذنِهِ ، فقال : إني أصمّ. فأمر به فقُتِل.
__________________
(١) النحل ١٠٦ : ١٦.