إنّ الاختلاف الحاصل في معنى قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) بين أقطاب المفسّرين من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم بين ترك النفقة في سبيل الله تعالى للخوف من الفقر ، كما ورد عن ابن عبّاس (ت / ٦٨ ه) ، وبين ترك الجهاد في سبيل الله تعالى كما ورد عن حذيفة (ت / ٣٦ ه) ، والحسن (ت / ١١٠ ه) ، ومجاهد (ت / ١٠٣ ه) وقتادة (ت ١١٨ / ه) ، والضحاك (ت / ١٠٥ ه) وغيرهم (١).
لا يعني هذا حصر التهلكة في هذين المعنيين ، إذ لا يُقيّد المعنى بسبب النزول اتفاقاً ، والعِبرة إنّما هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ولهذا فالآية ناظرة وإن نزلت بسبب مخصوص إلى كلّ ما تؤدّي عاقبته إلى الهلاك ، إلا ما استثني منه بدليل معتبر ، كمن يكرهه السلطان الظالم على قتل رجل مؤمن فيأبى ، فيُقتل ، فهذا لا يعدّ ممّن قد ألقى نفسه إلى التهلكة ، ولكن لو كان الامتناع عن شرب الخمر يؤدّي إلى القتل حتماً ، فعندها سيكون الممتنع قد ألقى نفسه إلى التهلكة ، وهذا ما نبّه عليه الإمام الرازي في الآية الثانية عند بيانه مراتب الإكراه ، وقد عدّ الامتثال للمُكرِه واجباً على المُكرَه في مثل هذه الحال ، فراجع.
الآية السابعة :
قال تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢) لا خلاف في أنّ أصل الحرج لغةً ، هو : الضيق (٣) ، ولا خلاف أيضاً في أنّ التقية لا تحصل إلا من جرّاء
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ٣١٦ : ٢.
(٢) الحجّ ٧٨ : ٢٢.
(٣) لسان العرب / ابن منظور ١٠٧ : ٣ «حرَجَ».