١٢ ـ وما يستدلّ به على التقية في هذا الباب ما اتّفق عليه جميع المسلمين وبلا استثناء من أنّه (ص) كان يدعو الناس سرّاً إلى الإسلام في أوّل الأمر ، إشفاقاً منه على هذا الدين العظيم حتى لا يُخنق في مهده ، وتباد أنصاره.
فالدعوة إلى الإسلام قد بدأت إذاً من دائرة التقية ، حيث اتّفق علماء السيرة ، والمؤرّخون ، والمفسّرون وغيرهم على القول بأنّ رسول الله (ص) لم يجهر بالدعوة إلى الإسلام إلا بعد ثلاث سنين من نزول الوحي (١).
ولو كانت التقية غير مشروعة ، لكونها مثلاً من الكذب والنفاق والخداع ، أو أنّها معارضة لعقيدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لما مرّت الدعوة إلى هذا الدين الحنيف بهذا العمر من التستّر والكتمان.
وقد مر عن ابن قتيبة (ت / ٢٧٦ ه) في المسائل والأجوبة في مناقشتنا لقول السرخسي في تقية النبيّ (ص) في الآية الثانية ما له علاقة بالمقام ، فراجع.
وإن دلّ هذا على شيء إنّما يدلّ على ضرورة ملازمة التقية لكل دعوة إصلاح ، حتى لا يذاع أمرها ، وتخنق في مهدها ، وممّا يشهد على صحّة هذا القول هو ما ينادي به الإسلاميّون في الساحة الإسلامية من ضرورة تطبيق أحكام الشرع الإسلامي ، ولا شكّ أنّ تحرّكاتهم تلك لا بدّ وأن تكون قد مرّت
__________________
ايضاً في تفسير الآية الثانية بكثير من تفاسير أهل السُّنّة فراجع.
(١) راجع كتب السيرة النبويّة مثل : السيرة النبويّة / ابن هشام ٢٨٠ : ١ ، والسيرة النبويّة / ابن كثير ٤٢٧ : ١ ، والسيرة الحلبية / ابن برهان ٢٨٣ : ١ ، والسيرة النبويّة / دحلان ٢٨٢ : ١ مطبوع بهامش السيرة الحلبية.
وكتب التاريخ مثل : تاريخ الطبري ٥٤١ : ١ ، والكامل في التاريخ / ابن الأثير ٦٠ : ٢ ، والبداية والنهاية / ابن كثير ٣٧ : ٣ ، وكذلك سائر كتب التفسير لا سيّما ما اختصّ منها بالأثر في تفسير قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء ٢١٤ : ٢٦.