تمهيد :
مر في الفصل الأوّل أنّ التقيّة لا تجوز اختياراً من غير اكراه من ظالم عليها ، ولم أقف على من صرّح من علماء الإسلام بشتّى مذاهبهم وفرقهم من أباحها اختياراً ، وإنمّا اتّفقوا جميعاً على تقييدها بحالات الإكراه.
ولهذا نجد الفقهاء قد خصّصوا في كتبهم الفقهيّة كتاباً بعنوان «الإكراه» تناولوا فيه جميع ما يتعلّق بالتقية من امور ومسائل ، بيدَ أنّ بعضاً منهم لم يفرد للاكراه كتاباً خاصّاً ، وإنّما وزع مسائله على كتب الفقه من عبادات ، ومعاملات ، وعقود ، وايقاعات ، وذلك بحسب مسائل الإكراه المتعلّقة بهذه الكتب ، كالإمام مالك بن أنس (ت / ١٧٩ ه) في المدونة الكبرى ، حيث لم يجمع مسائل الإكراه تحت عنوان واحد ، وهذا ما يتطلّب من الباحث المزيد من الجهد والوقت لتتبّع هذه المسائل لمعرفة الرأي الفقهي فيها ، هذا فضلاً عن ضخامة كتب الإكراه نفسها في الدورات الفقهيّة المعروفة لدى المذاهب الإسلامية ، كالمبسوط للسرخسي الحنفي (ت / ٤٩٠ ه) حيث خصّص معظم الجزء الرابع والعشرين للاكراه ، وقد تعرّض لموضوع التقية وأحكامها وتفصيلاتها بشكل مستوعب ومطوّل ، وهكذا فعل غيره من فقهاء المذاهب الاخرى ، بما لا يمكن معه استيعاب ما ذكروه جميعاً في هذا الفصل ، إذ