ولا شكّ أنّ هذا الصحابي قد بقي على تقيته طيلة مدّة كفر سيّده ، ولعلّها أطول تقية على الكفر في العهد العصيب.
١٨ ـ تقية جمع من الصحابة وغيرهم سنة / ٤١ ه :
قال الطبري (ت / ٣١٠ ه) في حوادث سنة ٤١ ه : «حدثني عمر ، قال : حدّثنا علي بن محمد ، قال : خطب بُسر على منبر البصرة ، فشتم عليّاً عليهالسلام ، ثمّ قال : نشدت الله رجلاً علم إني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني.
قال : فقال أبو بكرة : اللهم لا نعلمك إلا كاذباً.
قال : فأمر به فخنق ، قال : فقام أبو لؤلؤة الضبّي ، فرمى بنفسه عليه ، فمنعه ، فأقطعه أبو بكرة بعد ذلك مائة جريب.
قال : وقيل لأبي بكرة : ما أردت إلى ما صنعت؟
قال : أيناشدنا بالله ثمّ لا نصدقه؟» (١).
ولا يمكن تصوّر أنّ أهل البصرة ليس فيهم من الصحابة في ذلك الحين غير أبي بكرة الثقفي نفيع بن الحارث (ت / ٨٦ ه) بالبصرة ، إذ لا بدّ وأن يكون الكثير منهم قد سمع مقالة بُسر بن أرطاة (ت / ٥٢ ه) واتّقى من بطشه وظلمه ، فضلاً عمّن سمع ذلك واتّقاه من البصريين ممّن ليست لهم صُحبة.
ويصدق هذا النوع من التقية الجماعية ، على جميع ما سمعه المسلمون على امتداد التاريخ من خطب الحكّام والامراء الظالمين التي مُلئت منكراً ، ولم يقف بوجههم أحد وقفة الصحابي أبي بكرة الذي كان قد اعتزل القتال في
__________________
(١) تاريخ الطبري ١٦٧ : ٥ في حوادث سنة / ٤١ ه.