أقول : لقد طبّق هذا الحديث من أدرك الحكم الأموي من الصحابة وما أكثرهم ، بل وجميع التابعين ، ذلك لأنّ من الثابت الذي لا يرقى إليه الشكّ مطلقاً ، أنّ علياً عليهالسلام قد لعنه الأمويّون على منابر المسلمين لعشرات من السنين ، ولم يغيّر أحد هذا المنكر لا من الصحابة ولا من التابعين ، إلا القليل الذين احتفظ التاريخ بمواقفهم وسجّلها بكل إعزار وتقدير ، فقد أدرك الكلّ أنّ مثل هذا التغيير سيعرّضهم إلى ما لا يطيقون من البلاء ، ولا أعلم موقفاً أوضح منه في التقية.
٦ ـ أخرج المحدّثون عن علي عليهالسلام (ت / ٤٠ ه) وابن عبّاس (ت / ٦٨ ه) ، ومعاذ بن جبل (ت / ١٨ ه) ، وعمر بن الخطّاب (ت / ٢٣ ه) ، عن النبيّ (ص) ، أنّه قال : «استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان ، فإنّ كل ذي نعمة محسود» (١).
أقول : لقد مرّت فائدة كتمان مؤمن آل فرعون إيمانه ، حيث استطاع وبفضل كتمان إيمانه ، وتظاهره بمظهر الناصح الشفيق على مصلحة فرعون وقومه أن يثني فرعون اللعين عمّا عزم عليه من جرم عظيم.
على أنّ هذا الحديث لا يعني الأمر بكتمان الحقّ والتظاهر بالباطل ، ولا يحثّ على ذلك مطلقاً ، بل فيما يعنيه أنّ في الكتمان فوائد لا تتحقّق بغيره ، ولمّا كانت التقية هي عبارة عن كتمان ما ترى وإظهار خلافه للحفاظ على النفس أو العِرض أو المال ، إذاً اتّضحت علاقة الحديث بالتقية.
٧ ـ حديث السيوطي ، عن النبيّ (ص) قال : «بئس القوم قوم يمشي المؤمن فيهم
__________________
(١) المعجم الكبير / الطبراني : ٩٤ : ٢٠ / ١٨٣ ، حلية الأولياء / أبو نعيم ٩٦ : ٦ ، الجامع الصغير / السيوطي ١٥٠ : ١ / ٩٨٥ ، كنز العمال / المتّقي الهندي ٥١٧ : ٦ / ١٦٨٠٠ و ٢٥٠ : ٦ / ١٦٨٠٩.