ويفهم من قول سفيان المتقدّم : لا آمرك ولا أنهاك ، أنّه كان يرى الخروج مع إبراهيم مشروعاً ، ولو كان المنصور إماماً عادلاً ، لوجب على سفيان أن ينهى عن الخروج عليه ، لا أن يقول : لا آمرك ، ولا أنهاك ، فهذا قول من فكرّ في عواقب الامور ، وأدرك أنّه ليس من مصلحته الإفصاح بما هو الحقّ ، فترك لنفسه مجالاً في الجواب تقيّة من انكشاف أمره لدى المنصور.
٦٠ ـ المفضل الضبي (ت / ١٦٨ ه) :
كان المفضّل الضبي العالم اللغوي المشهور من أنصار إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، ولكن حين فشلت ثورة إبراهيم وقبض المنصور على المساندين لهذه الثورة ، وأنزل العقاب الصارم بهم ، كان المفضّل الضبي من بين من قبض عليه ، فعفا عنه المنصور ، وسرعان ما تبدّلت مواقف المفضل حتّى استخلصه المنصور لنفسه ، وقرّبه إليه ، وصار نجماً في بلاط الخليفة ، وعهد إليه أن يؤدّب ولده المهدي (١) ، وكأنّه لم يكن بالأمس ناقماً على المنصور ظلمه وطغيانه ، وأنّى لهذا أن يكون لو لا التقية والمداراة التي كان يظهرها مؤدّب المهدي لمن خرج على أبيه بالأمس ، حتّى لكأنّ خروجه لم يكن شيئاً مذكوراً.
٦١ ـ تقية الإمام مالك بن أنس (ت / ١٧٩ ه) :
الموقف الأوّل : مع الامويّين :
جاء في ترجمة الإمام الصادق عليهالسلام (ت / ١٤٨ ه) في ميزان الاعتدال للذهبي (ت / ٧٤٨ ه) ما نصّه : «وقال مصعب ، عن الدراوردي ، قال : لم يرو مالك عن
__________________
(١) أبو حنيفة بطل الحرية والتسامح في الإسلام / عبد الحليم الجندي : ٢٣٠.